تلك الليلة المشهد الأخير رواية الغريب

11 دقائق للقراءة

ليلة طال انتظارها.

حدث عنها المحبوب، ثم وصيه، فريحانتاه، في مشاهد الفرح به، ومشاهد ألمهم ووجعهم.

وكانوا حين ابتلوا بمن نافق ومن جاهر بالعداء، يتحدثون عنه ويبتسمون.

رجل منهم، مؤجل ظهوره، رغم أن أصله ومقامهم فيهم ومعهم، سيملك الأرض كلها.

وكان ذلك يصيب من يعرفون نفاقهم أو يشهدون كرههم بالجنون حسدا وكمدا.

ذلك الرجل سيبتلى بشدة، ثم سيرتقي حتى يرجع طاووسا كما كان.

رجل كان روحا قديما، كما قال صادقهم، يناجي الأولين.

كل ذلك كان في وعي الغريب، وهو يستعد لتلك الليلة، التي يرتقي فيها الأسباب، ويركب السحاب، تحقيقا لوصف المحبوب له.

ثم إذا رجع كان من شأنه ما كان، فلو اعترضته الجبال لاتخذها طرقا.

وكان يعي أن تلك القوة أمانة، وكان قد جرب كل شيء في عالم الفناء، كأنما عاش ألف حياة بألف ذات مختلفة، وكان ذلك ثراء أهّله للسمو نحو موضع أفنى فيه نفسه حين كان كائنا آخر، ولئن تحول إلى بشري فإن جوهره وجوهر الروح الأعظم جوهر واحد، كما أن جوهر العصا والأفعى التي فيها جوهر واحد أيضا.

 

ليلة الاكتمال تمت في عرس لم يشبهه سوى عرس السماء حين استقبلت المحبوب.

وبين معراج الأول ومعراج الثاني وصل عظيم.

ففي الأول يلتقي المحبوب حبيبه، ويعلم أن ذلك الروح العظيم سيحل يوما في هيئة رجل ليكون المكلف بوعد أولئك.

وفي الثانية يلتقي الغريب محبوبه لينفذ وعد أولئك.

فهما مسريان ومعراجان لعبدين أحدها آخر المرسلين، والثاني آخر المبعوثين.

وبين ختم الرسالات وختم البعثات التي تتم تحت لواء صاحب الرسالة، انطواء أسرار ونهاية حضارة وكشف حقائق وبداية فعلية جلية لنهاية النهايات.

وقد مضى إلى جبل الخلود واجتمع بالتنانين، وضم أخاه بيهاردن، وزوجته التي انتظرته في عالم الأرواح، وكان الفاضل كونيسترا يمسح دموعه في حين لمعت عينا مهينديارا صاحب المحبة الفياضة والحنان الكبير.

كلهم علموه وتحملوا معه ذلك الألم الذي عانى منه.

ثم انتقل إلى سجن الأرواح واستقبله آمره دمندال، وكان صاحبه القديم صموائيل وزير العظيم مايونداريل مرافقا له، وهنالك اطلع على ميريانا، التي تولّت تعذيبه قرابة الخمسين عام، وسكنت جسمه، ولم يتحرر منها إلا ليلة الاكتمال، رغم أنه تمكن من تحطيمها قبل ذلك، وسحب طاقتها ومعطياتها وكل ما تعرفه، وتحقق من حكمة وجودها فيه، تلك الحكمة التي طالما جهلها وتساءل عنها واشتكى منها بل واعترض أحيانا واستغاث وغضب.

ابتسم وقال لها: لقد كنت بئس العشير، ولكن لولاك لقتلني الوحش الذي سكنني.

ثم أمر فأغلقوا عليها سجنها وقد جحظت عيناها وصرخت وكانت أبشع مما كانت عليه من قبل. وكان قد تجاوز كرهها، وما أمكن له حبها، بل عبر إلى عمق الحكمة، وبلغ جوهر التسليم، مما أتاح له لب الفهم، ورفعه عن مهامه الوهم.

ونظر إلى سجل فيه الأنفس التي في أجساد تلاميذه، وكان عليه أن يخلصهم من كل أمارة منها حين ينزل الأرض ويضع يده على رأس كل واحد منهم فينقل له شيئا من قوته وعلمه، ويذكره بذاكرة الروح، فينهض وقد تناهى في العلوم، ويعطي كل واحد منهم قوة يقلع بها جبلا لو أراد، وسيفا لو أشار به إلى جبل لشقه نصفيه، مصداقا لما ذكر صادقهم من قبل وهو يصفه ويصف رجاله.

 

ثم مضى إلى الأرض والتقى تايبنغ في المعبد مع جميع تلاميذه واحتضنوه بمحبة، وانحنوا له باحترام كبير وهو يحيون صبره وتحمله.

وكان مصحوبا بالسيد الكلمة وبقية المنظرين.

ثم مضى إلى الجزيرة ووجد صاحبه وتوأمه في السماء ومعلمه الأكبر في الدنيا، ولي الله، ومعه رجال الوقت، وكان مجنون أول من احتضنه، ثم مريد، وصالح، والعاشق والشاعر والحكيم، ثم مؤمن وسكران.

ثم أقبل غوث وسلام وبقية الرجال، وأتت ريحان وديوانها بكل من فيه من صدّيقات، وهللوا وسبحوا ثم تشكلوا جميعا طيورا أو أسودا ونمورا، وبعضهم احتفى بامتطاء حصان مجنح أو كائن آخر، ومنهم من ركب سفن الضوء والماء، وآخرون نفذوا ختمات، وانتقلوا إلى عالم الناريين وكان ملكهم آنويان ملك الجن الأزرق وملكتهم أورما ملكة الجن الأبيض، ومعهم ماشوريان، ملك الجن الأحمر،  وبقية ملوك الطوائف النارية في استقبالهم، وقد اصطفت كل الجيوش استعدادا لحرب ختامية مع الناريين الذين اتبعوا كبير الشياطين، وكان أولئك في رعب شديد ليس أشد منه إلا رعب كبير الشياطين مع أبالسته وشياطينه وهو يصرخون وقد أحاط بهم كاسيّوس قائد فيلق الذئاب وشقيقه إنيبيوس في تجل تراه أعين الشياطين، وكان من قبل خفيا عنهم.

استعرضت فرق خاصة من الناريين كل حسب مملكته ولونه بعض قواها، من تشكلات وقدرات تسارعية، ومن سفن خاصة ومن كائنات وحشية من عالمهم، وأنواع أسلحة وتقنيات عظيمة مقارنة بما لدى البشر، ولئن كانت قطرة مما لدى العلويين.

ثم انتهى المجلس الذي لم يدخله بشري منذ النبي صاحب الخاتم وعين القطر، ونزلوا جميعا إلى كوكب أزرق كان يحتضر، وقد أحاط به الدخان، واقترب منه كوكب ذو ذنب فيه سجن كائنات متأججة تم سجنها من طرف شقيقه صاحب القرنين قبل ظهور بشري الطين بمائة مليون عام من أعوام البشر.

نظر الغريب إلى الكوكب ذو الذنب، وقال: نيبيرو مدمر الحضارات، منذ أن أصبح كوكبا مارقا حين تم إزالة الشمس التي كان في مدارها، تم تكليفه بدمار آخر الحضارات، واقترب من الأرض اقترابه هذا حين زال سادس الأبشر، الجلاوذة، الذين ظهروا بعد الجبلة الأولين وكانوا كالجبال فعلا، وكان سبب فناءهم وفناء الكائنات التي كانت تعمر الكوكب زمنهم، ودمار حضارات الكواكب الأخرى التي امتدت على ثلاثمائة مليار كوكب كل كوكب عمره سبعة آباء كآية الطين لهم أكثر منه ذرية وكانوا أكبر حجما وأطول عمرا وأشد قوة.

إن لغز زوال الديناصور كما سموه، وكائنات الإينوتريا كما كان يسميها الجلاوذة، يتمثل في طغيان تلك الحضارة وعبورها البحر الحاجز لتدمير البيت الذي حُرم عليهم الاقتراب منه، فظهر لهم صاحب القرنين ونسفهم نفسا وسجر البحر رملا وصحاري، ثم اقترب ذو الذنب مع نيازكه التي تتبعه، وتساقط منها ما تساقط، وزلزلت الأرض زلزالا شديدا، وجاء الدخان الذي ينجم عن اصطدام كوكب مغطى كليا بالحديد والنحاس مع غلاف الأرض الحامي.

وما ذلك الحديد والنحاس سوى ما جعله صاحب القرنين سدا بين كائنات التأجج التي خرجت من سجن التنين الأسود وتمثل أقوى فيالقه وبين من استنجدوا به من سكان كوكب المشتري العامر حينها بالحياة والحضارة والكائنات الشبيهة بالتنانين وكانوا ينفخون النار من أفواههم إذا تشكلوا.

ولكن كل ذلك يمضي لنهايته الأخيرة الآن، نهاية النهايات، بعد نهايات سابقة وقيامات كثيرة قامت على كل من كانوا قبل بشري الطين، حتى بقي كوكب واحد طمع آمون أن يكون الخليفة الأخير فيه، واستبشر بصعوده وفتنه التنين الأسود وأغواه، وتخاطر معه، فظن بنفسه ما حجبه عن ربه، وحين تبين له أن مخلوقا من تراب وطين سيكون هو الخليفة لآخر كوكب تم الإبقاء عليه أبى وحسد وكفر ورُجم وطُرد وكان المنظرين نُظرة ننهيها بعد تسعة أيام فقط.

سوف نبعد الكوكب أن يدرك الأرض، ونكتفي بما أثاره من فزع وشعور بالعجز، وسنغيث البشرية ونحمي الطيبين ويُتم الله وعده على الظالمين وقد تبين لهم عجزهم وضعف قوتهم أمام قوة بارئهم.

ثم سيقترب مجددا ذو الذنب اقترابا أشد، فيعمد الرخ العظيم ومن كُلّف معه إلى جعل السد دكاء يوم وعد ذكره صاحب القرنين، الذي سيكلف بنزع ختمته التي وضعها على السد ليستمر وجوده ملايين السنين الأرضية.

حينها، وقد مات كل خيّر وكان آخرهم أخي الكلمة هذا، سيتهدم السد النحاسي الحديدي، يتحررون كليا بعد ثلاثمائة وخمسين عام من هذه الليلة، وتنطلق النهاية التي يستمر ما فيها ما شاء لها الله أن يستمر، وما على الأرض من البشر إلا المسوخ التي مسخها طيف الدجل وشياطينه التسعة، والمأجوجون وكبارهم الآجّون يخربون كل شيء ويقضون على كل شيء، بقواهم النارية والتفجيرية وقدرتهم على شرب كل شيء وأكل كل شيء من شجر وحجر وبشر، رغم أنهم لا يتغذون على طعام، ولا يتنفسون الهواء، ولولا ذلك لهلكوا في السد المغلق فلا طعام ولا ماء ولا هواء، ولكن يتغذون بطاقة تأتيهم من سجن التنين الأسود، فهم كائنات نصفها ناري ونصفها آلي وكلها ظلام في ظلام، تعيش في سجن العالم السفلي وترجع إليه لتسكن الجحيم وتعذب من كانت أسماؤهم في لوح الأشقياء، ولو كانوا مكلّفين لقضى عليهم صاحب القرنين حين خيّره ربه بين أن يعذب أو يتخذ حسنا وتوعد بعذاب الظالمين، وعذابه لهم فيه فناؤهم.

إنهم سبعة مليارات من الآجين وهم كبارهم حجما وقيمة، وسبعون مليارا من المأجوجين وهم دونهم قوة، ولكن لا شيء يصمد أمامهم، فهم يفترسون الكواكب والشموس، ولا يحد قوتهم إلا النحاس، لذلك جعله صاحب القرنين في سدهم فما استطاعوا اختراقه بالنفاذ الطاقي ولا استطاعوا نقبه بقوتهم الشديدة.

يبقى الهرج والمرج حتى تتقد النار الكبرى بالفوران الأكبر للتنور الذي فار قليلا حين كان طوفان يانوحان، مما دفع الماء الساخن من الأرض دفعا، وصب آخر من السحاب صبا كالشلال وكان باردا يجمد كل ما يلمسه، والتقى الماء على أمر قدر، ليحطم مدنا عظيمة وحضارات قوية، ويغرق كل من عليها إلا من كان على السفينة.

وما التنّور سوى قوة في طاقة قلب الأرض الشبيه بالماسة فيها روحها وعقلها، وهو الذي منه حركات طبقاتها، وجاذبيتها، ومدارها، ودورانها، وحساب سرعة ذلك، وكل طاقة تكون منها الحياة عليها، وما يكون موصولا بين روحها وبين كل نبات فيها، كل غابة وكل شجرة، وكل عصفور ونملة وكائن، وكل ما يحرك الأمواج العميقة في المحيطات، وما يكون في طاقة الحياة في السمك، وما يتواصل مع كل ذلك ويصله ببعضه في شبكة حيوية روحية طاقية واحدة موصولة بالكون وموصولة بالكائنات العليا وموصولة بالله، ويحفظ البر والبحر، ويحافظ على الطبقة الجوية الحامية.

فالأرض مخلوق حي عاقل عظيم، وكذلك الشمس وكذا القمر، والسماء من فوق ذلك، وكلٌّ كلّمه الله حين خلقه فأطاعه وأتى مطيعا، وكلّ، وكلّ ما فيه، مسبّح لله بمنطقه الخاص الذي لا يفقهه البشر.

وأرض بشري الطين آخر أرض بقيت حية، وبقية أخواتها من الأراضي الكوكبية مات وجمدت طبقاته عن الحركة وانتهت الحياة كليا.

فخلق بشري الطين عند سكان العالم الأعلى علامة كبرى من علامات الساعة، وظهورنا الليلة علامة كبرى، وأول شرط من أشراط نهاية النهايات.

سيعيث التنين الأسود  بعد آخر راشد ممن سيخلفني من ذريتي، ماسخا كل قلب منافق أبى واستكبر وكان حاله كحال من كانوا مع الكليم واستكبروا وطلبوا رؤية الله فدُك الجبل وماتوا وصُعق هو.

وهؤلاء أحفاد قوم لم يقبلوا الحق حين نظهره، ولم يرتضوا فضل الله عليهم، وكل خير رزقه لهم، وقد عمّ العلم، وبانت الحقائق، وصار الذهب في كل يد، ولم يعد من فقير ولا عجوز هرم
ولا مريض، وتصالحت السباع وفرائسها، ووضعت الأرض بركتها، وأرسلت السماء خيرها، وتجلت العوالم العليا تجليا عينيا، وأُبيد كل الشياطين، وكل جني كافر لعين، وتم محق كبيرهم وانتهاء نُظرته، وما بقي من شيطان يوسوس في صدر بشري، لكن بقيت الأنفس الأمارة.

فكان حالهم كحال الذين أُنزل عليهم المن والسلوى، طعام من الجنة، فسئموا وطلبوا القثاء والبصل، فضربت عليهم الذلة وكانت عقوبتهم التيه أربعين عاما.

أو كالذين قالوا للسيد الكلمة وقد أظهر لهم كل آية حتى نفخ في الطين وقد جعله على هيئة الطير فكان طيرا بإذن ربه، وأحيا أمام أعينهم الموتى بإذن ربه.

ثم قال تلاميذه منهم: نريد مائدة من السماء.

فنزلت وأكلوا منها وأكل معهم قوم آخرون، فكفر أولئك الآخرون، فإذا هم قردة خاسئون. فعقوبة المسخ قردة وخنازير مع بقاء وعي الممسوخ بذاته الأولى عقاب أليم، أما هؤلاء بعد جحودهم وجحود آبائهم فعقابهم مسخ بخاتم الظلام الذي يؤتاه ذاك الأسود ذي العين الواحدة فتنة ومن خلفه نورانيون يتمون الختمات،
ولا يعي ممسوخ منهم بنفسه ولا يحل حلالا أو يحرم حراما، فهم حثالة ما بقي من ذرية بشري الطين، عليهم الزلزلة وعليهم تقوم نهاية النهاية وتحل ساعة الختم الأخير، وإن الساعة لحق وإنها لقريب.

وحين يظهر المسوخ بعد وفاة آخر نفس مؤمنة، سيتحرر المتأججون من كل حدب ينسلون نزولا من فوق إلى أدنى بقدرتهم على الطيران واختراق المادة والتسارع والتشكل، ويهوى ذو الذنب على الأرض وتكون زلزلة الساعة العظيمة، ويدخل كل قمر في النجم الذي ينتمي لمداره، ويكون الانسحاق العظيم، كما كان الانفجار العظيم الذي ولّد مادة هذا العالم داخل المادة السوداء الموجودة قبله.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مسح داريوس العرق المتصبب على جبينه، ثم أكمل قراءة الرواية مع صاحبه.

قال له جون بيير: هذا النص يشبه ما ذكر في مخطوطات شايثا، إنه مشهد تحرر التنين الأسود، وما ستقوم به سوزي وهي تترأس منظمة العين وتوهم من فيها من السفلة أنها كبيرتهم بعد قتلها ليانيش كبير الدهاقانات كما أخبرنا المعلم تايبنغ.

اسمع يا داريوس، احرص على سوزي، حتى نوقظها وتعرف أن جدها الدهقان الأكبر ليس جدها حقيقة، وحتى تجتمع بحبيب روحها فودجا بعد آلاف السنين من انتظاره لها حتى تحل في جسد من طين.

ثم استمرا في القراءة.

 

 

في ركن آخر كان يانيش الدهقان الأكبر يقرأ من نفس الرواية، فقد عثر قرب رأسه وهو نائم على نسخة غريبة منها، ولم يدرك من أوصلها إليه، وكان كاسيّوس يقف بجواره دون أن يتمكن الساحر من رؤيته، وقد نفذ مهمته بدقة كالعادة.

قرأ يانيش ثم رمى تلك النسخة وهو يلعن ويشتم: كبير الشياطين حين كنت في عالمه لم يعبث معي هكذا.

ما هذا الكلام الفارغ.

روح أعظم وروح زوجة الشيطان وشاب غريب يولد في كوخ.

إن هذا مجرد هذيان لا أكثر.

من يمكنه أن يصدق هكذا ترهات.

صحيح أن دولة الظهور كانت وغلبت وتم فيها ما تم مما لم يخطر على عقل، وانكسر غرور الأمة الموعودة وتحطمت جيوشها وعجزت أسلحتها، وأصيب كل أهل الأرض بالهلع وهم يرون الدخان والكوكب ذا الذنب، ثم يرون الكائنات النورانية وسفنها وقد حاصرت كل شبر من السماء فوقهم وتجلت عليهم عيانا.

وصحيح أن رجلا عظيم القوة ظهر، لكننا مقتنعون أنه فضائي وليس بشريا، إنما تم استبدال البشري بمخلوق آخر من المخلوقات الكثيرة التي لا نعرفها.

وكل ما كان لا يعني وجود إله واحد، ربما قد يعني وجود آلهة من بينهم إلهي التنين الأسود.

إن شوكة الالحاد قد كُسرت بعد ظهور ذلك الكائن وما كشفه من براهين لم يتصورها عقل.

وإن شوكة الذين نشروا الشذوذ والفساد وزينوه للناس كسرت أيضا ومحقت القوة المغرورة محقا.

لكن ذلك لا يعني نهاية الشر، حتى القضاء على كبير الشياطين وكل ذريته ومن كان معه من كائنات الظلام وكائنات النار على يد الحاكم الأول لم يكن يعني نهايته.

لأن الشر كامن في الأنفس، كامن فينا نحن الذين نعبد إله الظلام، كامن في التنين الأسود وشياطينه التسعة، في عالم أسفل من العالم السفلي.

ونحن نراهن على تلك الأنفس الظلامية التي تفوق قوتها قوة الشيطان نفسه، نراهن على القلوب المنافقة المريضة التي ازداد مرضها، على كل الجاحدين الذين سئموا تكدس الذهب ووفرة كل شيء.

دولة الظهور دولة حطمت هيبة المال ونزعت رونق الدنيا، ونحن لا نريدها، نريد دولة التنين الأسود، دولة تعيد للشر مكانته، قبل أن يهلك الكل ويكون مآلهم الجحيم، فأنا روح قادمة من الجحيم وراجعة إليه.

ولن أصدق خبر الغريب وقصته، كل ما كان لم يتجاوز مجرد أنوناكي جديد كذلك الذي رسمه السومريون، أو كائن صنعه الرماديون في جوف الأرض، ثم أظهروه.

 

 

 

ضحك كاسيوس من حمق يانيش، وأدرك أن الختمة التي عليه تمنعه من مجرد الإيمان.

وتذكر أن ختمة أشد كانت على من رأى الغريب وهو يسعى للكمال، فلم يعرفه رغم وضوح الأمر، حتى أن رئيس الدولة الكبرى في زمانه سماه المخفي، ولكنه لم يكن مخفيا بل كانوا لا يبصرون، وكان جليا جدا، جلاء الشمس أمام أعين العميان.

 

 

كان الغريب يلبس تاجا ماسيا متلألأ كأن فيه الأقمار، وهو ينزل الأرض مع الرخ العظيم الذي سينادي من مكان قريب ليكون يوم الخروج، في تجل لكامل الفيالق النورانية والجيوش المؤمنة النارية والدواوين الروحانية عيانا، ولكل السفن التي مكثت زمنا تطوف فوق الرؤوس وتسمح للبشر برصدها وتصويرها دون أن تتدخل، لأنها ببساطة كانت تنتظر قائدها واليوم الموعود.

وقد كان ذلك عامرا لكل شبر من الكوكب، حتى عرف البشر مقدار غرورهم بأنفسهم، وفوق رؤوسهم الكوكب ذو الذنب، والدخان قد أحاط بهم أياما قبل ذلك حتى قالوا ربنا اكشف عنا العذاب إنا موقنون، فكشفه قليلا، وتنادوا إلى جيوشهم وأسلحتهم وعادوا لغيهم، ثم كانت فيهم البطشة الكبرى، وقاد الغريب فيالق الداخلين المسجد كما دخلوه أول مرة، وتبّر ما علوا تتبيرا، حتى جعله هباء منثورا، كما كان في سيرة الأولين، وحقق القدير وعده لمحبوبه من قبل.

كتب داريون تلك الكلمات، ثم وضع الرواية وعليها الهوامش، وسعى إلى ذلك الموضع من جبل النور، ليصلي مع السيد الكلمة صلاة الوداع، فبعد إتمامها لن يبقى على الأرض خيِّر. ورغم أن الموت كان في انتظاره، فإنه كان يبتسم بغبطة، ويشعر بسعادة لأنه سيلقى ربه.

ربتت يد على كتفه، نظر خلفه، وإذا حضرة الغريب في لباس أبيض مشع وعليه عمامة خضراء يبتسم له، وبجواره صاحب القرنين، والمعلم الأخضر، والقائد بيهاردن، ومعهم السياف الأعظم، والمعلم تايبنغ، وكانوا جميعا توائم متطابقة.

 

 

 

 

 

انتبه تايبنغ من غفوته، كان كل ذلك رؤيا رآها وهو ذلك الكهف، ليلة صعد إلى جبل الخلود.

وفتح ولي الله عينيه، وهو ينظر إلى الثمانية الذين أنقذهم من السفينة وقد غابوا عن الوعي.

وأمسك الكائن العظيم رقبته ليفني نفسه، ورأى مشاهد حياة الغريب كلها إلى ليلة الاكتمال، فابتسم، وأخرج مخالب الوحش الذي فيه، لأنه لا يقدر عليه من المخلوقات أحد سوى أن يكون الأمر بيده هو.

نظر إلى أعلى حيث الستارة التي فيها أنوار زرقاء، ثم أغمض عينيه، وصاح صيحة عظيمة، وانفجرت الأنوار، وغادرت الأرواح التي تمثل نسيج ذاته العليا، وسمع من خلفه صيحة أخيه صاحب القرنين.

وبعد مائة عام ترددت صرخة طفل رضيع، وصاح الشيطان الأكبر لقد ولد أخيرا، وحل الروح الأعظم في بشري وضيع.

ثم حين حمل خنجره وأراد طعن المولود، سقط إلى الخلف وهو يرى زوجته الشيطانة الأم وقد أودع فيها الوحش الغائب عن وعيه.

ولي الله أعاد للمجنون عقله، وكان يعلم أن الأصعب هو أن يعيد للغريب ذاكرته.

منشورات ذات صلة

تفاحة وزيتونة من رواية الغريب
حين كان تايبنغ في جبل الخلود واستلم الأمانة وأعطى التفاحة لابنه يوجين والزيتونة لابنه يوشين، استأمن كل واحد منهما على ما أعطاه. وقبل أن...
8 دقائق للقراءة
قصة الماء
ما يميّز العقل البشري أنه سجين في قوالب المادة وقانونها. وكلما ظهر له ما يتجاوز ذلك خشي وأصابه الهلع، ولم يحتمل، ففر إلى أحكام...
5 دقائق للقراءة
ليلة أخرى من الوجع من رواية الغريب
ليلة أخرى من الوجع. هكذا كان يكتب الغريب بين الفينة والأخرى. والحقيقة أن ليالي الوجع كانت كثيرة، منذ الطفولة البكر. إن وجود ذلك النسيج...
7 دقائق للقراءة
نهاية المهلة من رواية الغريب
هدوء وسكون في ظلمة مطبقة، بيضة من مادة سوداء تشع طاقة ظلام خالص. ثم كان الانبجاس لبذرة تحمل الوجود وقواه فيها، أشد منه كثافة...
6 دقائق للقراءة
مع رجال الوقت من رواية الغريب
منذ صباه، كان الغريب مولعا برجال الوقت، محبا لهم، وقد ألقى الله في قلبه ذلك الحب، وزرعه في كيانه زرعا. ولم يكن ينسى يوما...
11 دقائق للقراءة
النمر وآخر التنانين من رواية الغريب
كان الغريب يحب النمر كثيرا، قبل أن يعرف أن قرينه نمر، وأنه من مقاماته مقام النمر، وقبل أن يتقن فن النمر القتالي الرهيب، وقبل...
7 دقائق للقراءة
غربة من رواية الغريب
الغريب الغريب الغريب. سئمنا هذا الإسم. قال أحدهم وهو ينفث دخان سيجاته كأفعى سوداء. لماذا يتكلم الناس في كل مكان عنه، من هو وماذا...
5 دقائق للقراءة
شارة التنين من رواية الغريب
عندما كان زعماء تلك المنظمة السرية يقرؤون خبر الغريب، كانوا يضحكون من سيرته، ويتهمون الراوي فيما يرويه، بل إن بعضهم قال أن حصولهم على...
6 دقائق للقراءة
الأمة المعدودة من رواية الغريب
جلس تايبنغ وأغمض عينيه وأخذ يردد تراتيل جبل الخلود، ثم فتح عينيه وقد انتقل ببدنه إلى الجبل، ووقف تحت الشجرة، تاركا جسمه في الكهف...
7 دقائق للقراءة
مجمع المنظرين من رواية الغريب
جلس تايبنغ في المعبد، واستمع لحوار رجال الوقت عن الخالق والبديع، وكان تعلمه للسان العربي أمرا لازما لأنها لغة السماء، ورغم أنه كان يطلع...
5 دقائق للقراءة