رواية المعلم: المشهد السابع: جون بيير

3 دقائق للقراءة

 

على الرغم من حداثة سنه، ومن تلك الأحداث العظيمة التي زلزلت العالم قبل ولادته بمائة عام، فإنه كان شغوفا بمعرفة ما يتجنب الآخرون معرفته.

كان شغفه الأكبر علم الشر، وفهم آلياته وأسبابه وقوته وفتنته، لأنه في عالم انتصر فيه الخير على الشر انتصارا ساحقا، وظهر صاحب الوعد بكل القوى التي كان يمتلكها، والقوة التي كانت معه والتي استعمرت البر والبحر والجو بما لم يتصور البشر المغرورون بأسلحتهم وتطورهم وقوتهم حينها، وتم سحق كل ذلك في لحظات.

لكنه كان يستشعر قوة شر كبيرة لم يسبق للبشر أن عايشوها، تفوق قوة كائن النار الذي انتهت فترته بنهاية تلك الحضارة التي تم سحقها وسحقه معها مع كل ما أنجب ومن كان معه من كائنات النار والطين.

قوة الشر التي بقي بعضها يختفي في صدور تظهر عكس ما تبطن، وتتناسل ليكثر عددها، كانت ما يشغل جون بيير أكثر من الخير المنتصر، لأن الخير لا خطر منه، ولكن الأخطر هو الخطر الذي عليه، والذي قد يقوض السلام، بل لعله القدر المحتوم قبل نهاية النهايات.

كانت البشرية في طفولة جون بيير تعيش نشوة الانتصار العظيم لقوى الخير، وتستحضر مشاهد انفتاح بوابات السماء على الأرض وظهور ما كان خفيا ليكون جليا جلاء مشابها لما كان من أمر كل أمة تم إفناؤها، إلا أنه كان تجليا أعظم من كل ما سبقه.

وكان الكوكب كله يدين بدين واحد، ويحكمه رجل واحد، ثم من بعده أبناؤه وأحفاده، في سلالة ممتدة بين مختارين وموعودين.

ولكن أحلامه التي داهمته بوجه مخلوق مشوه شبيه بتنانين الأساطير، مع أطياف تسعة، كانت موجهة له ليبحث في الشر القادم أو يبحث عن الشر القادم.

وكانت ثقافته الأوروبية الأصل، والتي تطورت مع بقية ثقافات العالم لتكون ثقافة إنسانية واحدة جامعة بعد زمن الظهور، كانت تمنحه رصانة تفكير وقوة تفكيك منطقي وفلسفي، ورغبة جامحة لمعرفة المزيد.

قصد أحد قاعات فنون الدفاع المنتشرة في المدينة التي يسكنها، مدينة الأنوار.

وكان مغرما بمعلم اسمه الأستاذ هنري، لذلك حين وجد قاعة يدرب فيها معلم يحمل نفس الاسم، فقد انخرط مباشرة ليتعلم فنون الكاراتي والأيكيدو الجميلة.

حين بلغ الحزام الأسود، وتمكن من فتح بوابات الطاقة فيه، وهو علم سري قديم عاد بعد ما حدث للكوكب، حينها اتخذه المعلم هنري تلميذا خاصا، وأهداه كتابا عليه اسم شينوبي، كتاب ألفه ننجا ياباني في القرن السابع عشر، وفيه مقاطع من كتاب المعلم كي تونغ امبراطور الأراضي الصفراء صاحب الملحمة قبل خمسة آلاف عام من زمن شينوبي.

وفيه كلام عن لونغ التنين والمعلمين السبعة الكبار، وعن المعلم الأكبر تايبنغ، الذي ولد بعد الطوفان بألفي عام ونيف.

ويبدو أنه رأى ما رآه جون بيير في أحلامه: مخلوق الظلام الأول، الذي يسميه شينوبي التنين الأسود، أو تنين الظلام، في كتابه السري الذي أعطاه لتلميذه ياموتو، ليتم تناقله في سلالته من بعده، ثم وصلت نسخة مخطوطة منه إلى المعلم هنري الجد من معلمه تاكيدا، ثم وصلت المعلم هنري الحفيد، معلم جون بيير وأستاذه.

 

لسنوات درس ذلك المخطوط، ثم سافر وبحث عن بقيته، لرؤى رآها وأمور جهل مصدرها، حتى أوصلته رؤاه إلى تلك القرية المخفية أو ما بقي منها، وتحت شجرة حمراء غريبة الشكل، وجد ضالته، بل عثر معها على نسخ من مخطوطات بلغة قديمة وعليها بخط يد المعلم شينوبي: هذه نسخة من المخطوطة العاشرة لشايثا وهي عن الختمات وبوابات التنانين.

ثم شروحات تحمل توقيع ياموتو.

كان ذلك اكتشافا مذهلا، وكان لمعلم ظهر فجأة دور أساسي فيه.

أن يكون فعلا أحد تلاميذ المعلم تايبنغ فهو أمر لم يتصوره.

وأن تكتمل عنده الصورة ويجد الحقيقة خلف الأسطورة، فهو أمر فاجأه كثيرا.

لكنه تعلم من معلمه ألا يتفاجأ، وأن يتوقع كل شيء، ولا يتوقع شيئا.

وهكذا كان.

 

 

منشورات ذات صلة

تلك الليلة المشهد الأخير رواية الغريب
ليلة طال انتظارها. حدث عنها المحبوب، ثم وصيه، فريحانتاه، في مشاهد الفرح به، ومشاهد ألمهم ووجعهم. وكانوا حين ابتلوا بمن نافق ومن جاهر بالعداء،...
11 دقائق للقراءة
تفاحة وزيتونة من رواية الغريب
حين كان تايبنغ في جبل الخلود واستلم الأمانة وأعطى التفاحة لابنه يوجين والزيتونة لابنه يوشين، استأمن كل واحد منهما على ما أعطاه. وقبل أن...
8 دقائق للقراءة
قصة الماء
ما يميّز العقل البشري أنه سجين في قوالب المادة وقانونها. وكلما ظهر له ما يتجاوز ذلك خشي وأصابه الهلع، ولم يحتمل، ففر إلى أحكام...
5 دقائق للقراءة
ليلة أخرى من الوجع من رواية الغريب
ليلة أخرى من الوجع. هكذا كان يكتب الغريب بين الفينة والأخرى. والحقيقة أن ليالي الوجع كانت كثيرة، منذ الطفولة البكر. إن وجود ذلك النسيج...
7 دقائق للقراءة
نهاية المهلة من رواية الغريب
هدوء وسكون في ظلمة مطبقة، بيضة من مادة سوداء تشع طاقة ظلام خالص. ثم كان الانبجاس لبذرة تحمل الوجود وقواه فيها، أشد منه كثافة...
6 دقائق للقراءة
مع رجال الوقت من رواية الغريب
منذ صباه، كان الغريب مولعا برجال الوقت، محبا لهم، وقد ألقى الله في قلبه ذلك الحب، وزرعه في كيانه زرعا. ولم يكن ينسى يوما...
11 دقائق للقراءة
النمر وآخر التنانين من رواية الغريب
كان الغريب يحب النمر كثيرا، قبل أن يعرف أن قرينه نمر، وأنه من مقاماته مقام النمر، وقبل أن يتقن فن النمر القتالي الرهيب، وقبل...
7 دقائق للقراءة
غربة من رواية الغريب
الغريب الغريب الغريب. سئمنا هذا الإسم. قال أحدهم وهو ينفث دخان سيجاته كأفعى سوداء. لماذا يتكلم الناس في كل مكان عنه، من هو وماذا...
5 دقائق للقراءة
شارة التنين من رواية الغريب
عندما كان زعماء تلك المنظمة السرية يقرؤون خبر الغريب، كانوا يضحكون من سيرته، ويتهمون الراوي فيما يرويه، بل إن بعضهم قال أن حصولهم على...
6 دقائق للقراءة
الأمة المعدودة من رواية الغريب
جلس تايبنغ وأغمض عينيه وأخذ يردد تراتيل جبل الخلود، ثم فتح عينيه وقد انتقل ببدنه إلى الجبل، ووقف تحت الشجرة، تاركا جسمه في الكهف...
7 دقائق للقراءة