رسائل زودياك ٢ دراكولا النهار

3 دقائق للقراءة

رسائل زودياك ٢: دراكولا النهار.

كان شابا طيبا، قالت جارته للشرطي.
نعم، حشرج العجوز في آخر الدرب، إنه أمر محزن، لقد كان يساعدني دائما، هل تعلم أني شاركت في الحرب العالمية وكنت…
في نهاية تلك الليلة بدأت مرحلة جديدة من حياته، لم يعد الشاب الهادئ، بل دراكولا الذي يستطيع المشي في ضوء النهار، وهو يحمل كل ظلام الليل في قلبه.

انت بالتأكيد لم تفهم يا لاري، قال المفتش لمحقق شاب ينظر بانبهار، لنعد إلى أول تلك الليلة إذا.

تواعد معها في مكان لقائهما المعهود، شارع تشرشل الذي يمتد إلى آخر الحي السابع، سوف تأتي بكعبها العالي وقوامها الفارع الممشوق، ستبتسم وهي تلوح إليه بيدها من بعيد، وستضمه حين تصل إليه، وسوف يختفي العالم من حوله، ولن يبقى سواهما، وتنفتح بوبات من لازورد، نهر من ألوان، نافورة من ورد، حمام من موسيقى، غيم من قبلات، بجع وردي، وجنيات يرقصن على نغم أبدي.
ستكون في ثوب ابيض عاري الكتفين، وسيراقصها في ثوب الأسود الشبيه بملابس الأمراء في القرون الوسطى.
بعد ذلك سيطيران إلى قلعة فوق الشمس، أو قصر يعتلي السحاب، حيث الخيل التي تسري في الجو، وأطفالهما الألف، وشلال من ذهب وفضة، وأوان من الماس..
كانت تقترب لكنها بدت كأنها تمشي مع ظلها، ثم اتضح الظل، شاب وسيم يضع يده في يدها ويضحك، نفث فيه عجوز مظلم يقف خلفه نفخة من ظلام، سرى الظلام فيه كالدخان، حركت يد سوداء زودياك الحظ، ظهرت جمجمة، انقض على الشاب فضربه، شهقت من الخوف، امسك رقبتها وشعر بقوة خارقة، جحظت عيناها وهي تردد كلمة لم يفهمها، شعر بالفزع، ارتطم رأس الشاب بالجدار وغارت عيناه وسال الدم كنهر فوار، فر كذئب مذعور، كانت تراقبه قبل ان تغمض عينيها وهي تقول: هذا أ…أخي…أخي لوميار….

وهو يحطم فك الممرض البدين، تذكر تلك الليلة التي تلبس به الوحش، وكيف قتل حبيبته لأنه لم يتصور أن الذي معها هو شقيقها.

فتح عينيه في تلك الغرفة، مجددا قرر أن يكتب إليها رسالة، ولم يكن يعرف إن كان حقا في مكان بعينه، أو هو كالفكرة في كل مكان، ويظهر حين يعتمل به فكر أو يمسكه خيال.

الراوي كان يجلس في مكان بعيد، يراقب كل شيء، بتوجس كبير.
لقد أرهقته حكاية الزودياك.

خرج إلى الشارع، أبهرته أضواء السيارات، قفز مبتعدا، لاح له المشفى الذي كان فيه لأعوام، كان يعدو كمستذئب، في عينيه لمعان مخيف.

الطبيبة الشابة لم تستطع تذكر شيء عندما سألها محقق شاب نحيف يلبس بدلة داكنة، ويضع نظارتين، ثم جاء مفتش خمسيني، ربت على كتفها، لقد حماك الرب من ذلك الوحش وأبقاك على قيد الحياة، أو ربما شبهك بها، أتقذك.
من؟؟ سألته.
ثم انهارت حين رأت الصورة.
الشبه المطلق، كأنهما توأم، رغم أنها قتلت منذ عشرين عام.
ما لم تكن تعلمه أنها أمها، وأنها لم تمت ولا مات شقيقها، إنما أصيبا إصابة بليغة ثم زيفا خبر موتهما، ليعاقب الحبيب الذي صار عدوا، والذي جاءته مع شقيقها بعد أن عرفت أنها حبلى، وأنجبتها، يارا، نسخة من أمها، حملها لوح الزودياك إلى والدها الذي لا تعرفه، ولن تتعرف عليه إلا بعد فترة من الزمن.

يتنهد الراوي وهو ينظر في العيون التي يبدو عليها الاندهاش، ينفث دخان سيجارته، يعدل من قبعته، ثم يكمل وسط صمت مطبق.

لقد هرب الرجل الذي ظن لسنوات أنه قتل حبيبته وشقيقها لمجرد سوء الظن، والذي سيغدو قاتلا متسلسلا، وسيجعل ضحاياه رسائل من دم، رسائل زودياك.
(يتبع )

منشورات ذات صلة

رسائل زودياك
رسائل زودياك (قصة قصيرة، ومشروع رواية، ربما) [١]     كان زودياك عاشقا نحيل الصبر كثير الهم قوي الهمة ولم يكن في بلاد البجع...
4 دقائق للقراءة
لأمر يستحق -قصة قصيرة جدا-
كنت طفلا في كوخ الطين، حافي القدمين رث الثوب، وكان في قلبي يقين بغد مختلفة، وذات مختلفة عن ذاتي التي أراها. وقفت أمام المرآة...
2 دقائق للقراءة
انتهى الوقت
ذات مساء هادئ مسكون بالهواجس والرغبات، جلس ثري بملابسه الثمينة وساعته الغالية على طاولة مما يكون قصور الأثرياء، وقد بسط أمامه الدنيا التي أوتاها:...
3 دقائق للقراءة
كأس ماء
  لم يعلم ما الذي أوصله إليها. كانت ممتدة على مرمى البصر، بكثبانها الهائلة، ورمالها التي تذروها الرياح. كان الصمت مهيمنا رهيبا كمجلس حاكم...
2 دقائق للقراءة
لستُ وهما
لأيام طويلة لم يكتب إليها شيئا. كان يشعر بفراغ كبير في قلبه، بخواء رهيب في عقله، وبصراخ يمتد على مساحات روحه الممتدة في عوالم...
2 دقائق للقراءة
من أنت
  كان الليل مظلما، وكان المطر ينهمر غزيرا ويدق بأنامله الرقيقة على نافذة الفيلا الفاخرة. نظر إلى ساعة يده الفاخرة المرصعة بالماس، شعر بثقل...
< 1 دقيقة للقراءة
النور الأخير
    سأموت قريبا، وبعد هذا الموت، سأولد، وأكون مختلقا، وأنسى حتى أتذكر.. لكني سأقتلك لو نسيتني. وهل يمكن أن أنساك يا مريم. كان...
5 دقائق للقراءة
حكاية سمكة
يحكى أن سمكة كانت تسبح في اليم فرأت طعاما معلقا بخيط يتدلى من أعلى،  ففرحت فرحا شديدا، وحسبت أن قوتها أتاها بلا عناء من...
< 1 دقيقة للقراءة
حكاية جابر
لم يكن جابر يوما مريضا، فقد كان قويّا كالثيران التي يربيّها، ليبيعها للمزارعين والقصّابين. وقد ورث عن والده قطعة أرض أتقن زراعتها وتفنن في...
11 دقائق للقراءة
الغرفة
من مجموعة قصصية تحمل نفس العنوان     لسنوات طويلة كنت أحاول دخول “الغرفة”، لكنني لم أقدر، فكل المفاتيح التي استخدمتها لم تفدني بشيء،...
11 دقائق للقراءة