4 دقائق للقراءة
رسائل زودياك (قصة قصيرة، ومشروع رواية، ربما) [١]
كان زودياك عاشقا نحيل الصبر كثير الهم قوي الهمة ولم يكن في بلاد البجع الاحمر مثيل له في نقاء قلبه وقوة جسده وصفاء روحه وقلة حظه.
زودياك، الرجل الضخم، كان طفلا، ليس أكثر، وكان ككل الاطفال، يحب الحلوى، ويخاف من غول الغرام.
عندما التقاها كان قد احتفل بعيد ميلاده الخمسين، وكانت لم تولد بعد، إنما عاشت في جسد تلك الفتاة الفاتنة، وولدت حين ضمها أخيرا، بعد انتظار الروح الطويل.
كانت أجمل من كل أحلامه، وأرق من قلبه المرهف، ولم يكن يعرف أنها أيضا أقسى من أقداره.
التقاها، ضمها، قبلها، ثم اختفت دون أثر.
هل التقاها حقا أم كان يحلم؟؟!
حين أعياه الجواب قرر أن يكتب إليها رسالة، لعلها إن قرأتها يوما تعود إليه، ثم أخفاها جيدا كي لا يصل إليها سواها، لأنها مجرد فكرة، محض روح وشيء من خيال.
جلس في غرفته المظلمة التي تحضن البحر، كانت الشمس تغرب بسرعة كاميرة هاربة من قصر النهار إلى أحضان الليل، وكانت بعض الطيور تعبر من أمام نافذته المطلة على الأزرق الواسع، في تلك المدينة التي نسي اسمها ونسيت وجوده فيها.
زودياك لم يكتب بلغة محددة، أنت فقط تختار له اللغة، لأنه محض فكرة، مجرد رمز.
وهنا نزلت الحروف العربية ورقصت حوله، ونسجت من دموع روحه هذه الرسالة:
“حبيبتي ميار، أكتب إليك الان وأنا أقف على قمة جبل الذاكرة، حيث الذكريات الأعلى والأغلى، والتي لا أرى فيها سواك.
حبيبة قلبي التي لم يحب سواها، وإن كان يوما أحب، فقد كان يبحث عنها، ويمتد منها، إلى آخر الدرب حتى يراها.
انا غريب الغرباء وسجين العالم، ومظلوم الدنيا.
وانت يد من الغيب حطت كحمامة على كتفي، عيون من سحر قديم، وابتسامة من برزخ الروح، وذات تشبه ذاتي، توام لي، عشق قبل الخلق، وحب سابق للوجود.
حبنا ليس من الارض وطينتها، بل من السماء وسكينتها.
حبنا استمرار الأزل، ووصل لأرواحنا لم يزل، وأمر من السر فينا نزل.
فلا تهربي يا حبيبة مني، ولا ترحلي يا غرامي عني، فإني، لأني، أحبك، قد ايقن القلب فيك، وانجذب الجسد إليك، وحنت الروح عليك.
أحبك يا زهرة الشمس وشقيقة البحر وابنة الممكن المستحيل.
صمت قليلا، أشعل أنفاسه، نفخ في السقف آهة أو آهتين، كانت الغرفة محاصرة بجنود الليل يلفها السواد، وكانت الشمس قد غابت بصمت.
نظر إلى يده المرتعشة، أمسك بلحيته الحمراء الطويلة، ثم أضاف: حبيبتي ميار، لا يمكن للكلمات أن تصف، لكن بإمكانها أن تحترق وهي تحاول إيصال ما في قلبي إليك.
أحبك حد الموت، حد الهيام والوله.
ما خاب قلب كان لك وكنت له.
ميار الجميلة التي لم أرها أبدا، انا اتحرق شوقا اليك من قبل لقياك بزمن طويل.
عندما رايتك عرفتك، وعندما ضممتك أيقنت أنك أنت التي أنتظر.
وحين احتوانا الغرام بلوعته، وحوانا الهيام بلوعته، بلغت فيك مقام الكمال، وبلغت عندي مقام الوصال، ودارت بنا الكأس نشرب منها، وتشرب منا، فهمنا بذاك الجمال.
فمن ذا يلوم إذا نحن ذبنا فهمنا.
وهل قد فهمنا؟
محال على الفهم أن يفهم العشق، العشق ابن المعجزة.
محال على العقل أن يدرك الحب، الحب مسألة ملغزة.
ولكننا نعرف الشوق حين نحس وندرك الوجد حين نراه.
تعالي إذا يا غرامي.
فعشقنا نور الإله.
نظر إلى اللوحة الباهتة المصلوبة على الجدار، إلى الستائر الداكنة، وأغمض عينيه ثم ضرب بيده على الطاولة بغضب، كيف تهجره التي صنعها بخياله، واختلقها بحروفه وكلماته.
تراءت له في ثوب أزرق جميل، وأمامها البحر، في شرفة قصر عال.
ثم رآها تضمه، وتختفي، وترسل إليه مع الحمام الزاجل رسالة وداع غير مكتملة.
غضب كثيرا وجمع الحروف وكتب إليها:
ورحلت ميار!
هل يمكن ان نؤمن بالحب بعد هذا!!!
كان من الافضل ان تمنحيني لقاء اخيرا، ان تحدثيني العين في العين، انت تقتليني قتلا مباشرا يليق بالفرسان، قتلا يستحقه الرجال الرجال الذين لا يأتون مرتين، لكنك اخترت قتلي من بعيد بيد باردة وعين جاحدة، وهذا القتل الظالم البعيد سيقتل فيك ما لا يمكن احياؤه، وسيحين موسم الندم، حينها تعرفين، بعد فوات الأوان.
يا له من فصل أخير، قد لا يكون أخيرا، ولا فصلا أصلا، بل مجرد حماقة سببها الخوف، ونفذها الجحود.
صرخ زودياك، فتح باب الغرفة، دخل رجلان بدينان، امسكاه بقوة، ثم دخلت، كانت هي كما صنعها خياله، ميار الجميلة، أمسكت بالحقنة، غرزتها في ذراعه، شعر بالثقل، ثم نام، كأنه طفل وديع.
إنه هكذا منذ عامين، يكتب ويصرخ ويبكي ويضحك، شاحب بارد الجسم كمصاص الدماء، وعيناه كعيني ذئب جائع، إنه مخيف.
قالت الفتاة الشقراء الفارعة.
إنه مجرد مجنون يا دكتورة، قال أحد البدينين وهو يضحك.
أمسكته يد من خلفه، التفت، وهوت قبضة قوية حطمت فكه.
واستيقظ الراوي من غفوته.
16 اوت 2025. 01:25. الرواضي
[٢] * اسم Zodiac ارتبط بشدة بـ قاتل متسلسل أمريكي في الستينات والسبعينات عُرف باسم Zodiac Killer. هذا القاتل أرسل رسائل مشفرة إلى الصحف الأمريكية (خصوصًا San Francisco Chronicle) وكان يوقّعها برمز يشبه دائرة مع صليب (♁). هذه الرسائل سُمّيت لاحقًا بـ Zodiac letters.
إذن: هناك بالفعل “رسائل زودياك”، لكنها ليست أدبية بل مرتبطة بجريمة وغموض. وقد ألهمت أفلامًا وروايات عديدة مثل فيلم Zodiac (2007) ودراسات عن التشفير.
كلمة Zodiac ليست اسمًا شخصيًا حقيقيًا بل لقبًا. القاتل المجهول اختاره لنفسه.
لم يُعرف اسمه الحقيقي إلى اليوم بشكل قاطع، رغم وجود عشرات النظريات والمشتبه بهم.
إذن: الاسم مستعار، لكنه أصبح أسطوريًا في ثقافة الجريمة واللغز.
*معنى كلمة Zodiac في اللغات المختلفة
بالإنجليزية واللاتينية: تعني دائرة البروج أو الأبراج الفلكية (Twelve Zodiac Signs). أصلها من اليونانية ζῳδιακός κύκλος (zōidiakos kyklos) وتعني “دائرة الحيوانات الصغيرة” إشارة إلى رموز الأبراج.
بالفرنسية: Zodiaque بنفس المعنى (الأبراج الفلكية).
بالإيطالية والإسبانية: Zodiaco.
بالعربية: يقابلها “البروج” أو “دائرة البروج”.
المعنى دائمًا فلكي ورمزي، مرتبط بدورة الشمس عبر الأبراج الاثني عشر.
*الاستخدام الأدبي أو الرمزي
في الأدب والفن، Zodiac يُستخدم كرمز للغموض، للقدر، أو للدوائر الزمنية والقدرية.
لكنه كاسم شخصية (“زودياك”) غير شائع في الأدب، إلا إذا كان مستعارًا من قصة القاتل أو من معنى الأبراج.
الخلاصة: هناك “رسائل زودياك” تاريخيًا، لكنها رسائل القاتل المشفر لا كتاب أدبي.
الاسم مستعار وليس حقيقيًا.
المعنى الأصلي في اللغات: دائرة الأبراج، رمزية فلكية وقدرية.