في جبل التنين مشهد من مشاهد رواية ولي الله

7 دقائق للقراءة

على امتداد مقامهم معه في تلك الجزيرة النائية التي لا تصل إليها السفن إلا إذا انفتحت بوابة خاصة تتم تغطيتها بعاصفة ودوامات مائية، كان يراقبهم، ويرى كيف تتطور همتهم، وتتغير أحوالهم يوما بعد يوم.
قال لتاينبغ وهو يزوره في معبد التنين بعيدا في جبال المرج الأصفر خلف البوابة البرزخية التاسعة: إن تلاميذك قد وُلدوا في حقب لها اتصال وثيق بفنون الدفاع وعلوم الأولين، أما هؤلاء الذين أدربهم اليوم ليكونوا رجال الوقت في زمانهم فقد ولدوا في فترة مختلفة، حيث نُسيت أسرار كثيرة، وتخلّف الناس عن تقنيات وقدرات البشر الأوائل، إذ تم طمس كل ذلك بعد إزالة أطلنتس وحضارتهم المتطورة مقارنة بكل الحضارات التي جاءت بعدها، حيث تم استعمال الطاقة والأسلحة، وآلات للطيران تحاكي سفننا الضوئية، رغم أنه من المحال عليها أن تبلغ معشار قوتها وسرعتها وخصائصها وتقنياتها.
حتى فنون الدفاع تكاد تكون منسية، إلا ما بقي من فن السيف وبعض تقنيات الضرب والصد، والتي تكون دون مستوى فنون المعابد المختصة في تلك المهارات.
صحيح أن ما كان للسياف الأعظم وعمه الأسد الهزبر كان تجليا لفنون عظيمة، ولكن عموما عدم وجود تدريبات جسدية وتريضات روحانية مثّل عائقا كبيرا لدى أولئك الفتية.
أطرق تايبنغ قليلا ثم قال: لماذا لا تأتي بهم إلى كهفنا يا معلمي، يتعرفون على تلامذتي، ويدخلون عالم التنانين، وندربهم جيدا ونحرر قواهم، لأنهم سيحتاجون تلك القوة في مهماتهم القادمة.
ابتسم ولي الله وقال: لأجل هذا أتيتك يا تلميذي المعلم الكبير.
لقد تم الإذن بذلك من الحضرة العليا.

 

 

 

 

 

 

 

عندما فتح المعلم البوابة في صخرة من صخور الجبل وطلب منهم الدخول فيها، لم يتردد أحد منهم، وعلى الجانب الآخر كان تايبنغ وتلاميذه، والتنين الأبيض الكبير وبعض جنوده، وفيلق من سفن الضوء، في انتظارهم. وكان القائد بيهاردن والعظيم كونيسترا مكلفان بالإشراف على حماية البوابة من كبير الشياطين ومن معه من المردة والدهقانات.

دلف سرحان بقامته الفارعة وجسده المفتول، فضمه فودجا وقد حرص على أن يلبس أفخر ثيابه، مع السيف على كتفه، وشعره الطويل، وقال له: كنتَ مجنونا، لكن روحك كانت أعقل من كل الذين آذوك. وكنت معك دائما، لكن لم يكن مسموحا لي التدخل. فسامحني يا أخي.

ثم ظهر مؤمن وصالح ومريد، وكان لونغ، تشي، وتشو في استقبالهم.
قال تشو لصاحبه تشي يمازحه: السيد مريد أشبههم بي، إنه فنان فعلا.
أجابه تشي: بل هو توأمي أنا، انظر إليه كيف يشع بطاقة الحياة. أنت توأمك الشاعر، يا شاعر.
صالح نظر في عيني لونغ كأنما ينظر في المرآة، وعرف شيئا من مما كان يجهل، وتذكر لمحا مما قد نسي.

ين ويانغ أحاطا بفلسف وهما يقولان بمرح: أيهما قبل الآخر، البيضة أم الدجاجة، أم الديك، أم الحقل الذي فيه قن الدجاج.
ثم ضحكا وأضاف يانغ: كنا نضحك من جدلك مع الأستاذ المتفلسف عبثا في بلاد زيوس، وكنا نراقبك في معبد شاولين. وكنت أرميك أحيانا بالجوز عندما كنت تجلس تحت تلك الشجرة مدعيا أنك تتأمل، وتغمض عينيك في وضعية اللوتس، وعقلك يغلي، ونفسك لا تتوقف عن النباح.
نظر فلسف إليهما بعتب وقال: وأنا كنت أقول من أين تأتي ثمار الجوز، وتضرب رأسي كل مرة.

ونغ تشون سلمت على مؤمن بحرارة ثم قالت بحزن: أين زوجتك، أين توأمي ريحان.
أجابها مؤمن: ومن ريحان، أنا لا زوجة لي.
نظر إليها المعلم تاينبغ برأفة لا تخلو من دعابة وقال: لم يتعرف عليها بعد ولم يتزوجها. ما قرأته في اللوح معي تلك الليلة لم يتم إلى الآن يا طفلتي الكبيرة.
أراد مؤمن أن يتكلم، ثم صمت، لأنه لم يفهم شيئا.
الشاعر والعاشق جلسا مع تشو، وهو يقرأ عليهما شيئا من شعره بلغة لا يفهمونها، ويجتهد ليترجمها للغة الضاد عبثا.
حدثهما عن ونغ تشون وعشقه لها، فتكلم العاشق عن معشوقته ابنة السلطان، وقال تشو مبتسما: كنت شاهدا على قصتك كلها، نحن نراقبكم منذ ولادتكم.
قال سكران الذي كان يستمع من مكان قريب: تراقبنا منذ الطفولة، يبدو أنك تبالغ قليلا، فأنت تبدو أصغر منا سنا.
أجابه تشو بكثير من المودة: لقد ولدت بعد الطوفان الأول، لكننا في برزخ يسري فيه الزمن حولنا ولا يسري علينا، لأننا من المنظرين، ولنا قدرات من قدرات النورانيين، فحتى أحجامنا أكبر من أحجامكم، إلا أننا عدلنا من ذلك لنتناسب مع أحجامكم.
تمنى سكران لو يجد قارورة خمر ليفهم الكلام جيدا، لكنه اكتفى بالصمت.

 

 

 

كان استقبالا راقيا، وكان تايبنغ في حلة فاخرة مزركشة، في حين ظهر ولي الله بحال وشكل غير ما كان عليه في الجزيرة، بل بدا لهم شابا يافعا قويا، وهم الذين عهدوه شيخا وقورا.

فجأة ظهر تنين كبير أبيض فوقهم، ومن خلفه تنانين أخرى، وكانت تلك المرة الأولى التي يرى فيها أولئك الفتية القادمين من خلوتهم تنانينا، فارتعبت نفس كل واحد منهم، أو ما بقي منها.
فتح التنين فمه وأخرج نارا زرقاء مشعة أحاطت بهم ونفذت فيهم، فخرج منهم شيء كالدخان الأسود.
نظر التنين إليهم فسمعه كل واحد منهم يكلمه داخل عقله قائلا: لقد منحتكم من قوتي، وأعطيتكم القدرة على فهم كلامنا تخاطرا، وعلى فهم كل لغة تسمعونها، والكلام بها.
وما ترونه من دخان هو تبخر ما بقي من أنفسكم الأمارة، أنتم الآن من الكُمّل.
ردد صالح بينه وبين نفسه أن التنين هو أعظم كائن رآه وأقوى مخلوق شاهده.
سمع التنين يقول له وهو يختفي: بل معلمك أعظم وأقوى، هو معلمنا القديم، وهو وشقيقه التوأم، مع الوحش الأعظم توأمهما الثالث، أقوى منا جميعا.
تكلم ولي الله بلسان من لغة قديمة، مخاطبا الفتية وقد أشعت أجسادهم وكانوا يفهمون من حيث لا يعلمون كل حرف مما يقول: إن فنون الدفاع وهب من القدير لكل من خلق، فكل ملاك أو روحان أو جان أو جني أو إنسي أو كائن قبل البشر الطينيين،
أو حيوان ودابة مما برأ في عالمكم والعوالم قبلكم وحولكم وفوقكم، له أسلوب مودع في روحه يدافع به عن نفسه، ويختلف جزئيا أو كليا عن أسلوب الكائن الآخر.
وكل أسلوب دفاعي يتفاعل مع قدرات الكائن وطبيعته.
فإذا كان الكائن قادرا على التشكل، فهو يتفاعل مع تشكله.
وإذا كان قادرا على استخدام الطاقات الخاصة، وفنون الختمات، أو السيوف العلوية، فالفن الدفاعي يتفاعل مع ذلك أيضا.
كل روح ألهمها الله ذلك، وكل جسد جعل له قدرة على التفاعل مع المودع الروحي ذاك، وفي كل عقل باطني نمط حركي وهندسة حركية خاصة، ونظم الذواكر الأزلية والقديمة والجينية تخفي موروث الروح، وكذلك موروث الأجداد، من تلك الفنون العظيمة، في نظام حركي مشهدي تفاعلي .
إن شكل جسد البشري هو الشكل الموحد لكل الكائنات التي لها تكليف، كالملائكة والرواحين والجن وما شاكل ذلك، مع اختلافات حسب المقام، في الجمال والحجم والسرعة، فالملاك جميل وضاء، والجني له جمال دون ذلك، أما الشيطان فهو مشوه وعلى رأسه نتوءات وشكل عينيه كأعين الأفاعي أو كالجمرة المتقدة، وغير ذلك من الأشكال لنفس النمط الشكلي العام.
والكائنات النورانية والنارية، وكل ما خُلق من عنصري النور والنار وما بينهما، قادر على التشكل.
أما ما خلق من الماء فهو يتفاعل وفق العالم الذي هو فيه.
في حين لا يتشكل المخلوقون من مادة صلبة كالطين، إلا ما يكون استثناء لدى المختارين.
أنتم من طينة البشر، وكان أبوكم صاحب قدرات وفنون دفاع وحركات عظيمة، وكذلك أمكم الأولى.
ثم مر الأمر بحالات التذكر والنسيان.
واليوم سوف نذكركم بما في أرواحكم، وسنسمح لكم باستخدام قوى الطبيعة وفنون الختمات، وفن الاستحضار الروحي، وما يسمح به ذلك لكم من قوى ومن مدد وإسناد من الكائنات العلوية، ومن قدرة على الدخول في البوابات والارتقاء في الأسباب والقفز البعدي مسافة أو عالما.
واعلموا أن أعظم مستخدم لهذا عبر العصور سيكون حضرة الغريب حين يكتمل، ويعود الوحش الذي قتل نفسه ليولد معه حيا، وتكون ملحمة القيامة الصغرى، وتحقق الوعد الأخير.

في ذلك اليوم شاهد المعلمون التنانين، ورجال الوقت ما أذهلهم جميعا، فقد ظهر صاحب القرنين من حيث لم يشعر أحد منهم، وانقض بشكل شبيه بالبشري له ثلاثة أعين وقرنان ناتئان مشعان على المعلم الأخضر الذي صد حركاته برشاقة دون أن يلتفت إليه. ثم خاضا نزالا سريعا مزلزلا، وتبادلا اللكمات والضربات بالساق واليد، وطارا في الجو فوقهم وسريا في الهواء كأنهما طيفان من أطياف الحكايات، وتسارعا حتى كانا يختفيان في جهة ويظهران في أخرى.
وكانت الضربات بينهما قوية حتى اهتز الجبل تحتهم.
ثم أظهر كل واحد منهما سيفا يشع بقوة، وبدأ القتال بفنون سيف لم يتصور المعلم تايبنغ وتلاميذه أنها موجودة.
ظهر فوقهم جيش كبير من كائنات عظيمة، وتنانين ونمور وأفاعي ونسور، وظهرت فوق ذلك سفن مضيئة كبيرة، خرج منها كائنات من حديد تمسك أسلحة بيدها، وأعينها تشع. ثم ظهرت كائنات أكبر من معادن أخرى.
كانت حركاتهما قوية سريعة مذهلة، ثم بدأت الريح تهب بقوة والبحر المحيط بهم يرفع أمواجه عاليا، وتكسرت الأغصان، وذهلت عقول الفتية وهم يرون أمورا لم تسبق لهم رؤيتها.
ثم أطل كائن عظيم من فوق فكان وجهه أكبر من السفن والكائنات المعدنية والسحب وقال بصوت كأنه بوق القيامة: سوف تحطمان الكوكب كله، توقفا الآن أو أنزل لكما، فقد راق لي أن أتذكر نزالاتنا في الأفق العالي قبل وجود هذا العالم الفاني الصغير الذي سأعيش فيه زمنا في جسد بشري، لنكون الغريب.
توقف الكائنان، اختفى صاحب القرنين بعد أن قام بتحية قتالية وهو يبتسم ويقول بتخاطر سمعه الجميع داخل عقولهم: أنت يا أخضر بارع في القتال حقا، وصاحب قوى عظيمة كقواي وقوى توأمنا الخفي، لا أفهم لماذا كل مرة أنا من يقوم بالإبادة، في حين تكتفي أنت بإعطاء الحكم والتقمصات المضحكة.
أجابه ولي الله وهو ينزل على صخرة كبيرة قرب الشجرة المجاورة لمغارة التنين: كلٌّ ميسّر لما خُلق له، يا شقيقي العزيز.

نظر المعلم إليهم جميعا وهم في ذهول، ثم قال وقد خبا الشعاع المخيف الذي كان في عينيه ورجع تجسده إلى حجمه البشري، واختفت ملابسه البيضاء الغريبة، وسيفه ذي الشعاع، وملامحه التي ظهرت عليه حين كان في النزال: ذلك توأمي صاحب القرنين.
أرادت الحضرة أن تريكم كيف يكون نزال الكائنات العليا.
وهو مزاح بيننا فقط.
ردد تايبنغ: كلما ظننت أني تعلمت وفهمت، وصرت معلما بحق، رددتني إلى أول يوم تدريب، وبان لي أني لم أتعلم بعد شيئا.
قال سرحان: سيدي، إن كان هذا نزال أخوي بينكما، فكيف إذا قاتلتما بحق وهاجمتما منفردين جيش طاغية من طغاة الدنيا يظن أن لا غالب له، وينادي من أشد منا قوة.
قال المعلم بهدوء: إن كانت إلا صيحة واحدة.

منشورات ذات صلة

تلك الليلة المشهد الأخير رواية الغريب
ليلة طال انتظارها. حدث عنها المحبوب، ثم وصيه، فريحانتاه، في مشاهد الفرح به، ومشاهد ألمهم ووجعهم. وكانوا حين ابتلوا بمن نافق ومن جاهر بالعداء،...
11 دقائق للقراءة
تفاحة وزيتونة من رواية الغريب
حين كان تايبنغ في جبل الخلود واستلم الأمانة وأعطى التفاحة لابنه يوجين والزيتونة لابنه يوشين، استأمن كل واحد منهما على ما أعطاه. وقبل أن...
8 دقائق للقراءة
قصة الماء
ما يميّز العقل البشري أنه سجين في قوالب المادة وقانونها. وكلما ظهر له ما يتجاوز ذلك خشي وأصابه الهلع، ولم يحتمل، ففر إلى أحكام...
5 دقائق للقراءة
ليلة أخرى من الوجع من رواية الغريب
ليلة أخرى من الوجع. هكذا كان يكتب الغريب بين الفينة والأخرى. والحقيقة أن ليالي الوجع كانت كثيرة، منذ الطفولة البكر. إن وجود ذلك النسيج...
7 دقائق للقراءة
نهاية المهلة من رواية الغريب
هدوء وسكون في ظلمة مطبقة، بيضة من مادة سوداء تشع طاقة ظلام خالص. ثم كان الانبجاس لبذرة تحمل الوجود وقواه فيها، أشد منه كثافة...
6 دقائق للقراءة
مع رجال الوقت من رواية الغريب
منذ صباه، كان الغريب مولعا برجال الوقت، محبا لهم، وقد ألقى الله في قلبه ذلك الحب، وزرعه في كيانه زرعا. ولم يكن ينسى يوما...
11 دقائق للقراءة
النمر وآخر التنانين من رواية الغريب
كان الغريب يحب النمر كثيرا، قبل أن يعرف أن قرينه نمر، وأنه من مقاماته مقام النمر، وقبل أن يتقن فن النمر القتالي الرهيب، وقبل...
7 دقائق للقراءة
غربة من رواية الغريب
الغريب الغريب الغريب. سئمنا هذا الإسم. قال أحدهم وهو ينفث دخان سيجاته كأفعى سوداء. لماذا يتكلم الناس في كل مكان عنه، من هو وماذا...
5 دقائق للقراءة
شارة التنين من رواية الغريب
عندما كان زعماء تلك المنظمة السرية يقرؤون خبر الغريب، كانوا يضحكون من سيرته، ويتهمون الراوي فيما يرويه، بل إن بعضهم قال أن حصولهم على...
6 دقائق للقراءة
الأمة المعدودة من رواية الغريب
جلس تايبنغ وأغمض عينيه وأخذ يردد تراتيل جبل الخلود، ثم فتح عينيه وقد انتقل ببدنه إلى الجبل، ووقف تحت الشجرة، تاركا جسمه في الكهف...
7 دقائق للقراءة