رواية المعلم والتنين المشهد السابع عشر: يان، يوشين، ويوجين

3 دقائق للقراءة

يذكر أهل أرض اليأس التي أصبحت بعد ذلك اليوم أرض الأمل وأينعت وانفجرت الصحراء من حولها ينابيع واخضرت وأزهرت، واحترقت الأفاعي ورحلت أطياف الشر، يذكرون بعد قرون تلك الليلة، حين أضاء القصر بضوء مبهر، ثم انطلقت كرة من النور تغمر كل إنسان فتحرق الشر الذي فيه، إلا بعضهم فقد احترقوا كليا لأنهم كانوا شرا ولم يكن الشر مجرد طيف أسود يسكنهم وهم منه براء ولو اقترفوا بعض ما اقترفوا.

كانت يان شاحبة تصارع الموت وقد تحولها لونها إلى لون الرماد أمام عين أمها الباكية وعينها والدها الواثقة، ثم انفتحت كوة من النور.

اقترب منها ووضع يده على رأسها وردد كلمات لم يفهمها أحد منهم لكنها بدت كلغة الأرواح القديمة، فأضاء جبينه وجبينها، وخرج من قلبه نور أزرق تحول الى زهرة بلورية، وسمعوا موسيقى عجيبة وراوا فراشات تحلق وتتبادل الألوان.

أضاء كفها واضاء جسمها وغمرها الضوء فانحنى يقبل جبينها وكفيها وغمرته الدموع فسقطت على خدها والتحمت بدموعها.

وعلى الارض سقطت قطع من الماس.

ومنذ ذلك اليوم انهمرت الحياة، محولة صحراء المتاهات الالف الى انهار وواحات وبحيرات وغابات، الى عالم من الموسيقى والحب والجمال والزرقة الممتدة.

في خبر يان وتايبنغ الكثير من التفاصيل، لكن فراقه لها كان أمرا محتوما، وتلك قصة أخرى تحتاج فسحة من الزمن.

رغم مرور السنوات، بقيت تناديه بالاسم الذي عرفته به: تسو مينغ، فقد كانت تحبه ويذكرها بالشاب الذي رأته أول مرة في اصطبل الخيل.

وحين فارقها وعرفت حقيقته أو شيئا منها، صدقته دون حاجة لرؤية شيء، وضعت يدها على صدره وقالت: ما يراه قلبي أعظم مما تراه عيني.

ويوم التقاها في كهفه، وشاهدت بعيني رأسها التنين الأبيض الكبير، ووضع في كفها حبتين من العنب، طلب منها أكلهما، ثم أعطاها خاتمين، وطلب منها أن تحافظ عليهما حتى تعرف لأي غاية وهبها ذلك، لم يتغير في حالها شيء، فقد كانت رأت بقلبها وصدقت، وكان يقينها يفوق ما يمكن أن يحدثه أي شيء تنظر إليه بمقلتيها.

وحين حملت بيوشين وجدت أثر حبة العنب الأولى وأيقنت أنه سيكون لها ولدان، ولما كبر قليلا ألبست الخاتم، فأضاء جسمه كله، ونقص حجم الخاتم ليلائم اصبعه الصغير، وكلما كبر اتسع الخاتم وازدادت طاقته.

وحين أنجبت يوجين، وظهر سر حبة العنب الثانية، شعرت بحزن في قلبها، كأن ولديها سيفترقان.

وحين ألبسته الخاتم خرج منه ضوء ملون: أحمر وأبيض، كأنهما طبيعتان لأنفس مختلفة، حمراء شرهة، وبيضاء طيبة.

لم يكن أحد من ولديها ضعيفا أو عليلا، بل كانا مقاتلين عظيمين بالفطرة، ورثا عن أبيهما الكثير، وكانت طاقة التنين تسري فيهما، ورغم فارق السن بينهما فقد كانا كالتوأم حين بلغ كل واحد منهما أشده.

راقبتها يكبران، وبين مولود ولد في كهف التنين، ومولود ولد في القصر الكبير، كانت الأقدار تنسج قصتها حولهما، معلمان كبيران، أحدهما سيأكل التفاحة، والثاني سيتناول الزيتونة، وكما أن التفاحة لا تعيش طويلا، فقد علمت أن ابنها سيلفه الموت رغم طول حياته، أما الزيتونة فكانت من ثمرات الخلود، ومن شجرة لا تموت، بل تبقى حية إلى النهاية، أو قبلها بقليل، ولعل ذلك سر زوجها وتلاميذه السبعة، وعدم تأثير الزمن على أحد منهم، في حين بدأت التجاعيد تتسلل إلى وجهها الجميل، وبعد ألفي آلاف عام من حياتها التي لم تكن الأطول في حياة البشر مباشرة بعد الطوفان، بل كانت الحياة أطول بين الأب الأول وصاحب السفينة، ثم نقصت قليلا، توفيت، وكان تايبنغ ما يزال شابا، وكذلك يوشين. في حين أصبح يوجين شيخا مهيبا، وامبراطورا كبيرا.

لعله غضب من أبيه لأنه لم يمنحه الزيتونة التي أتى بها من جبل الخلود، بل التفاحة، بما تحمل من فناء وفتنة، ولكنه كان مقتنعا بأن والده يتبع حكمة السماء، لذلك كان ملكا عادلا، وتلميذا عظيما لأبيه، ومحاربا لا يشق له غبار، وكانت له قوى وقدرات لا تقل عن شقيقه، بل كان أحيانا يتبارى مع بقية تلاميذ والده قرب كهف التنين كلما تم استدعاؤه إليه.

وكان يدرك أنه ممتحن كأبيهم الأول بذرية بعضها نقي وبعضها شقي، وأنها حكمة لن يفهمها في عالم الفناء.

 

منشورات ذات صلة

تلك الليلة المشهد الأخير رواية الغريب
ليلة طال انتظارها. حدث عنها المحبوب، ثم وصيه، فريحانتاه، في مشاهد الفرح به، ومشاهد ألمهم ووجعهم. وكانوا حين ابتلوا بمن نافق ومن جاهر بالعداء،...
11 دقائق للقراءة
تفاحة وزيتونة من رواية الغريب
حين كان تايبنغ في جبل الخلود واستلم الأمانة وأعطى التفاحة لابنه يوجين والزيتونة لابنه يوشين، استأمن كل واحد منهما على ما أعطاه. وقبل أن...
8 دقائق للقراءة
قصة الماء
ما يميّز العقل البشري أنه سجين في قوالب المادة وقانونها. وكلما ظهر له ما يتجاوز ذلك خشي وأصابه الهلع، ولم يحتمل، ففر إلى أحكام...
5 دقائق للقراءة
ليلة أخرى من الوجع من رواية الغريب
ليلة أخرى من الوجع. هكذا كان يكتب الغريب بين الفينة والأخرى. والحقيقة أن ليالي الوجع كانت كثيرة، منذ الطفولة البكر. إن وجود ذلك النسيج...
7 دقائق للقراءة
نهاية المهلة من رواية الغريب
هدوء وسكون في ظلمة مطبقة، بيضة من مادة سوداء تشع طاقة ظلام خالص. ثم كان الانبجاس لبذرة تحمل الوجود وقواه فيها، أشد منه كثافة...
6 دقائق للقراءة
مع رجال الوقت من رواية الغريب
منذ صباه، كان الغريب مولعا برجال الوقت، محبا لهم، وقد ألقى الله في قلبه ذلك الحب، وزرعه في كيانه زرعا. ولم يكن ينسى يوما...
11 دقائق للقراءة
النمر وآخر التنانين من رواية الغريب
كان الغريب يحب النمر كثيرا، قبل أن يعرف أن قرينه نمر، وأنه من مقاماته مقام النمر، وقبل أن يتقن فن النمر القتالي الرهيب، وقبل...
7 دقائق للقراءة
غربة من رواية الغريب
الغريب الغريب الغريب. سئمنا هذا الإسم. قال أحدهم وهو ينفث دخان سيجاته كأفعى سوداء. لماذا يتكلم الناس في كل مكان عنه، من هو وماذا...
5 دقائق للقراءة
شارة التنين من رواية الغريب
عندما كان زعماء تلك المنظمة السرية يقرؤون خبر الغريب، كانوا يضحكون من سيرته، ويتهمون الراوي فيما يرويه، بل إن بعضهم قال أن حصولهم على...
6 دقائق للقراءة
الأمة المعدودة من رواية الغريب
جلس تايبنغ وأغمض عينيه وأخذ يردد تراتيل جبل الخلود، ثم فتح عينيه وقد انتقل ببدنه إلى الجبل، ووقف تحت الشجرة، تاركا جسمه في الكهف...
7 دقائق للقراءة