رواية المعلم والتنين المشهد الخامس: تايبنغ

3 دقائق للقراءة

“طفل مدلل، ولدك طفل مدلل”.

اتسعت عينا الملكة ثم حنت رأسها بشيء من الحزن وكثير من الحب.

كان والده يقف بملابسه الملكية المزركشة والمرصعة بالياقوت والجواهر، وفي يده خاتمه الماسي الكبير وفي داخله لؤلؤة النور الأزرق تتحرك داخلها قوى لا حصر لها، وعلى رأسه تاج الماس والذهب.

كيف لمدلل أن يكون الحفيد الخامس عشر لأول طيني يسكن كوكب الملحمة الأخيرة.

زمجر الملك وهو يبحث بعينيه الغاضبتين عن ولده الذي فر مجددا من ساحة التدريب وأتعب مرة أخرى حكماء القصر بأسئلته التي لا تنتهي ولا يعرف أحد كيف يجيب عنها، وكاد وزيره يفقد عقله من ترديد ابنه لكلمة تنين، لا وجود للتنانين يا امرأة، على الأقل لم يعد لها وجود الآن، أو لم نعد نراها منذ غرق الأولين.

نظر إلى تورد خديها والدمعة التي تكاد تنهمر من أجمل عينين في المملكة، فخفض صوته وقال بحنان: يا كيدار يا حبيبتي، أنت تعلمين أكثر مني أن ولدنا هذا ليس كغيره، وأن النبوءة تحدثت عنه.

نعم أنا ملك أرض الياقوت الأحمر، وملك صحاري الذهب، وما خلفها من تلال وغابات ومدن، عامرة بالبشر، مزدهرة، قوية، ولنا سفننا التي تجري على البحر، وسفننا التي تجري فوق الغيم، وجيوش وقوى وعلوم وقدرات ومعارف، لكن درس الطوفان الذي شهده جدي الرابع لا يمكن نسيانه، لقد غرق سبعون مليار بشري قوي طويل يعيش آلاف السنين يصنع أسلحة أقوى وسفنا أعظم تنتقل في المكان وتطويه وترتفع في الجو وتغوص في البحار.

ثم استجمع بقايا غضبه وعدل من صوته ووقفته.

ابنك مدلل يا جلالة الملكة، وأنت تفسدينه بدلالك له.

خرج غاضبا، أو هكذا كان يدعي، ومن خلف السرير أطل طفل.

مسحت دموعه وقبلت جبينه.

تايبنغ يا ولدي، لقد سماك والدك باسم السلام لتكون ملكا ينشر السلام. قدرك مختلف، لقد حلمت بك قبل أن أعرف أني سأتزوج الملك العظيم شاوندر.

كنت طفلة في قصر والدي أمير بحار اللؤلؤ، ورأيتك.

حتى اسمك أخبرتني به أرواح الرؤيا، لم يكن في لغتنا ولكني ألححت على أبيك واستعنت ببعض الدمع والدلال الأنثوي ومكر الجدة الأولى.

صحيح أن أرض مقاتلي الظل الأصفر ونساك المعابد المنسية بعيدة، ولكن روحك تنتمي إليهم، لذلك كان اسمك بلغتهم.

أنت في نبوءة الجد الرابع، حدث عنك أبناءه بعد أن نجوا، سيكون لك مجد وتكون رجلا آخر، مستوى مختلف من الترقي البشري.

لست مدللا، أنا فقط أحاول أن أعلمك شيئا من الفن، أما والدك فيريدك ليلا ونهارا مع مدرب الجيش، لتتعلم القتال بالسيف، أنت صغير على هذا ويدك طرية.

كان ينظر إلى وجهها يتلألأ بأنوار المحبة وروح الأمومة، غمغم بحزن: يدي ليست طرية.

خرج مسرعا وقلبها يرقص شفقة عليه، نظرت إلى حيث كان يقف وشهقت.

لقد بقيت أثار أصابعه على مقبض السرير، أنامل رقيقة اخترقت المعدن الصلب.

إن ولدها هذا سيكون أعظم المحاربين، هكذا كان قلبها يحدثها، وكانت تصدقه.

 

منذ تلك اللحظة تغير كل شيء في حياة ذلك الطفل ذي الشعر الطويل على كتفيه.

كان وسيما ذا عينين سوداوين ورثهما عن أبيه، ولون أبيض مشوب بحمرة ورثه عن أمه، وكان طفلا مختلفا في كل شيء، كأن أرواح الحكماء تسكن عقله الصغير، رغم كثرة شغبه وسرعة حركته.

حين بلغ الخامسة عشر كان قد أتقن من فنون الدفاع قدرا يفوق عمره بكثير.

وكان يعشق فن السيف، ويحب الحركات البهلوانية، والجري فوق أسطح المباني والقصور الشاهقة.

لم يعد الطفل المدلل في عين والده، ولا الضعيف في عين أمه، بل أصبح حديث المملكة، ولم يكن أحد يفوق قوته وهو بذلك العمر، إلا والده أعظم مقاتلي الأرض في زمانه.

ذات مرة وجد بعض المتنمرين يضربون شابا في ركن من أركان المملكة، غضب كثيرا، ومن فرط غضبه ضربهم بقسوة، وحين سدد ركلة قوية لأحدهم أمسكته يد صلبة مفتولة العضلات، نظر خلفه فرأى والده ومعه افراد من الفرقة الخاصة، فرقة المقنعين.

نظر والده الى عيني ابنه فوجد عيني ذئب لا عيني بشري.

حينها تيقن من رؤياه، وعرف ما عليه فعله، ولو كان قاسيا، بل في غاية القسوة.

 

منشورات ذات صلة

تلك الليلة المشهد الأخير رواية الغريب
ليلة طال انتظارها. حدث عنها المحبوب، ثم وصيه، فريحانتاه، في مشاهد الفرح به، ومشاهد ألمهم ووجعهم. وكانوا حين ابتلوا بمن نافق ومن جاهر بالعداء،...
11 دقائق للقراءة
تفاحة وزيتونة من رواية الغريب
حين كان تايبنغ في جبل الخلود واستلم الأمانة وأعطى التفاحة لابنه يوجين والزيتونة لابنه يوشين، استأمن كل واحد منهما على ما أعطاه. وقبل أن...
8 دقائق للقراءة
قصة الماء
ما يميّز العقل البشري أنه سجين في قوالب المادة وقانونها. وكلما ظهر له ما يتجاوز ذلك خشي وأصابه الهلع، ولم يحتمل، ففر إلى أحكام...
5 دقائق للقراءة
ليلة أخرى من الوجع من رواية الغريب
ليلة أخرى من الوجع. هكذا كان يكتب الغريب بين الفينة والأخرى. والحقيقة أن ليالي الوجع كانت كثيرة، منذ الطفولة البكر. إن وجود ذلك النسيج...
7 دقائق للقراءة
نهاية المهلة من رواية الغريب
هدوء وسكون في ظلمة مطبقة، بيضة من مادة سوداء تشع طاقة ظلام خالص. ثم كان الانبجاس لبذرة تحمل الوجود وقواه فيها، أشد منه كثافة...
6 دقائق للقراءة
مع رجال الوقت من رواية الغريب
منذ صباه، كان الغريب مولعا برجال الوقت، محبا لهم، وقد ألقى الله في قلبه ذلك الحب، وزرعه في كيانه زرعا. ولم يكن ينسى يوما...
11 دقائق للقراءة
النمر وآخر التنانين من رواية الغريب
كان الغريب يحب النمر كثيرا، قبل أن يعرف أن قرينه نمر، وأنه من مقاماته مقام النمر، وقبل أن يتقن فن النمر القتالي الرهيب، وقبل...
7 دقائق للقراءة
غربة من رواية الغريب
الغريب الغريب الغريب. سئمنا هذا الإسم. قال أحدهم وهو ينفث دخان سيجاته كأفعى سوداء. لماذا يتكلم الناس في كل مكان عنه، من هو وماذا...
5 دقائق للقراءة
شارة التنين من رواية الغريب
عندما كان زعماء تلك المنظمة السرية يقرؤون خبر الغريب، كانوا يضحكون من سيرته، ويتهمون الراوي فيما يرويه، بل إن بعضهم قال أن حصولهم على...
6 دقائق للقراءة
الأمة المعدودة من رواية الغريب
جلس تايبنغ وأغمض عينيه وأخذ يردد تراتيل جبل الخلود، ثم فتح عينيه وقد انتقل ببدنه إلى الجبل، ووقف تحت الشجرة، تاركا جسمه في الكهف...
7 دقائق للقراءة