2 دقائق للقراءة
هو بعد معقد جدا، وهو أعقد الأبعاد وأكثرها تخللا للتمشيات، لأن الإرهاب استراتيجيا، وله استراتيجيات داخلية، تصب كلها في مصالح معينة تستخدم بيادقها لتخرب هنا وتغتال هناك وتسرق وتفسد. وهي بين ضفتي التعهير السالخ للقيم، والتكفير الماسخ لها. وبين سلخ الدين ومسخ حقيقته، يكون التفقير والتزوير. وكل هذا شرحته في تفسير نظريتي العامة.
إن استراتيجيات المعالجة تنبع من فهم استراتيجيات الوباء، وقد قلت في كتابي “مدخل إلى علم الاستراتيجيا”: في علم الاستراتيجيا، عليك أن تتوقّع الأسوأ، وتعمل للأحسن، لا أن تتوقع الأحسن، وأنت تعمل للأسوأ”.
المشكل أن البعض كان يعمل للأسوأ وهو يتوقّع الأحسن ويكذب على نفسه وعلى الناس، حتى كانت الكارثة، ولم يستمع لنصيحة. وأذكر أني منذ أكثر من عامين يوم تكلمت عن التنظير وبلوغه التفجير لاحقا، وعن خطورة التكفير، وكون حرق مقامات الصالحين مقدمة لمرحلة الحريق التي ستشمل الغابة والجبل ومركز الأمن، ثم يكون بعدها القتل والاغتيال، قوبلت بسخرية البعض واستخفاف البعض الآخر، حتى إذا ما حدث كل ما ذكرته واستشرفته، قال ذات المشككين والمستخفين: هو يعمل مع المخابرات ولذلك كان يعرف. وهو دال على عمى كارثي وعقم معرفي وتكلّس ذهني، وكاشف لتواطئ وخيانة الكثيرين.
للبعد الاستراتيجي تفاصيل كثيرة، يطول شرحها، ولعلك تجد في بعض دراساتي ومقالاتي وحواراتي الإعلامية في مختلف وسائل الإعلام منذ بداية ملامح هذا الوباء تفسيرات وتحليلات هامة. ولكني أكتفي هنا بالقول أن البعد الاستراتيجي يستوجب من الدولة أن تبني استراتيجيات مضادة، وأن تختار الحليف المناسب، فليس من معنى أن تقطع تونس العلاقات مع سوريا وتصطف مع قطر مثلا إلا أن يكون ذلك عمالة وارتهانا لمشروع تخريبي مدمر. في حين تتقاعس وتماطل في التعاون مع الجزائر ومصر ومن المحال عليها الانتصار على الإرهاب دون التعاون معهما. وهذا ما عانته تونس للأسف في حكم رهن قرارها وأفسد ديبلوماسيتها ولابد من تصحيح ذلك المسار بشكل كلي وحاسم واستراتيجي.