للتاريخ

3 دقائق للقراءة

عندما أتى الإرهاب إلى بلادي بفكره الظلامي الدموي، كنت أول الواقفين في باب الدعم الفكري المدني، لأعضد أشاوس الأمن والجيش الوطنيين.

وهذا ثابت للتاريخ.

وقد شاركني عدد من الصادقين في معركة ضرب الفكر بالفكر، وهي لا تقل قيمة عن المعركة الميدانية.

وكانت مئات الحلقات التلفزية والإذاعية، والمقالات والندوات، والاجتماعات مع الاطارات الأمنية والقيادات النقابية… والنقاشات والاستشارات…

وقدمت عددا كبيرا من المحاضرات والدروس المسجدية التوعوية، حيث تنشط خلايا غسل الادمغة التي سيطرت على عدد كبير من مساجدنا.

 

وكنت من المؤسسين للمركز التونسي لدراسات الأمن الشامل، وترأست قسم الاستشراف ومكافحة الارهاب فيه.

وساهمت في عمل توعوي استراتيجي، ضمن مساهمات ثرية مع المعهد الوطني للدفاع التابع للجيش التونسي، وجمعية قدماء الجيش، والمدرسة العليا للأمن…

وتم تكريمي من قبل وزير الداخلية، واستشارتي مرارا.

وكذلك كانت لي مناظرات في قصر قرطاج وفي الاعلام مع زعيم السلفية بتونس حينها، ولم أخف من التهديدات ولا من سيطرة من كان ينشر ذلك متمترسا بالدولة مخترقا لها.

ومن خلالي عرف الشعب التونسي معنى وخطورة الفكر الوهابي الذي لم يكن يسمع عنه…

ولم يكن احد قبلي في بلادي يتكلم عن الاستشراف، ولا تمكن من توظيفه في رصد الضربات الإرهابية القادمة، والذي كان له دور في الحرب الاستباقية، كما فعلت، بشواهد دونت بعضها في كتابي “بصيرة عقل”.

 

 

كما تتبعت خط عمل صناع الارهاب، على المستوى النظري والعقائدي والتنظيمي، ودونت جانبا من ذلك في كتابي “رحلة في عقل إرهابي” الذي لاقى رواجا كبيرا بعد شرحي له في برنامج تلفزيوني شهير.

واستمر هذا العمل الوطني التوعوي النضالي لسنوات، يشهد عليه شرفاء المؤسستين الامنية والعسكرية، وشرفاء الوطن.

 

وقد فعلت ذلك حبا لوطني وشجاعة موقف، ولم أطلب عليه ولا أخذت أي مقابل مادي.

 

ثم تتبعت خيوط الإرهاب وشبكته في ليبيا، والعراق، وسوريا، وعبر شبكته العالمية، وزرت مدنا ودولا كان يُخشى من زيارتها..

ولست أتكلم جزافا، بل تثبت الصور التي نشرتها عن رحلاتي عبر العالم، ومن التقيت من رؤساء وقيادات عسكرية وأمنية، وشبكة العلاقات الواسعة دوليا، وعدد الندوات التي شاركت فيها والمحاضرات التي قدمتها في المجالات الاستراتيجية والفكرية والدينية…

يثبت كل ذلك جدية ما اقول.

مع العلم انه هنالك الكثير مما لم انشره، وامتلك من المعلومات والمعطيات اكثر بكثير مما كشفته.

وإن علاقتي بالاستشراف والعمل على على أعلى المستويات دوليا لم ينطلق بعد الثورة التونسية، بل بدأ قبلها بسنوات، واستشرفت مصائر دول ورؤساء، وهو موضوع أكشف عنه النقاب في وقته.

 

 

وبما أننا في زمن فقدان الذاكرة، فقد أحببت تذكير من يتناسون، كي يعلم من يتجاهل، وكي يتعلم من يجهل.

 

كنت وما أزال عالما ومفكرا، وشخصية عالمية.

سواء قبل البعض بذلك، أو توهموا إنكاره.

وسواء اعتبروه تعبيرا مجردا عن واقع، أو مجرد غرور مريض.

 

وكنت وما أزال سيدا شريفا شجاعا لا أخشى من الخلق أحدا.

ولا أبالي في طريق الحق الذي أسلكه عدد من معي وعدد من علي.

 

وكنت وما أزال شاعرا ملهما، ترددت كلماتي في أركان المعمورة هاتفة: خذوا المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن.

 

وكنت وما أزال عارفا متبحرا، وكاتبا محققا مدققا، في شتى فنون العلم والأدب.

 

وكنت وما أزال معلما كبيرا، وعندي مئات الالاف من التلاميذ عبر العالم، وفيهم علماء ومشايخ ودكاترة وأطباء ومهندسون، وشباب رائعون، من أديان وطوائف ومذاهب شتى، من الهند إلى إندونيسيا وأمريكا وكندا، ومن افريقيا إلى أوروبا، وفي كامل العالم العربي، طورتهم وأنرت حياتهم بنور خالقي العظيم.

وما مشروع “المنارة” الذي أطلقته إلا تتويج لذلك، وهو لعمري تشريف لوطني الذي حملته في قلبي ورفعت رايته حيثما حللت في أصقاع العالم.

 

قد لا يروق للبعض أن أكون شيخا ومفكرا ومؤرخا وشاعرا ومعلم فنون دفاع وطبيب طاقة ومهندس فكر وخبير استراتيجيات..

وشخصية على غاية التعقيد، واسعة العلاقات، متشعبة الافاق، شاسعة المعارف، بشكل أثبتَت بعضه محاضراتي وتأملاتي الفكرية والعرفانية ودروسي البرهانية.

وقد يسعى البعض كيدا أو حسدا أو غشاوة جهل وعمى قلب للتشكيك والاتهام باطلا.

 

والحقيقة الجلية كالشمس أن ما ذكرته هو الحق، وأن كل ما قمت وأقوم به شرف لبلد يغبطبني حتى حقي المعنوي.

ففي زمن يفر فيه أبناؤه على زوارق الموت بالألوف رجالا ونساء وأطفالا..

وفي فترة يتصدر الدول في الجلطات والسكري والطلاق وحوادث الطرقات وشرب الخمر وتعاطي المخدرات والجريمة والتردي والفشل المؤسساتي.

وفي حقبة يُنشر بها الشذوذ والإلحاد بتمويلات كبيرة.

أبني وأبدع وأفكر، وأرفع الراية التونسية عاليا.

وأحترم كل نير مصلح، واقف مع كل عملية إصلاح.

 

فليتذكر من نسي أو تناسى، وليتدبر من جهل أو تجاهل، وليحذر من يظنني عقبة سهلة، أو مجرد مدع، فإن لله رجالا، وإن للوطن رجالا.

وإني فرد من الرجال، وجبل من الجبال، لا يستهين بي إلا جاهل، ولا يحاربني إلا أحمق.

 

وها أنا حيث يجب أن أكون: مقامي معلوم، وعملي معلوم، وتاريخ نضالي معلوم، وكل شيء مدون موثق.

ومن لم يكفه ذلك، فهو شأنه، وكشف لحقيقة حاله.

لأنه من المحال على أوفياء الوطن أن يكونوا أعداء للأوفياء.

#رجال_تونس

#تعلم_ثم_تكلم