ناقة الله

4 دقائق للقراءة

لناقة صالح خبر يقين، فيه حكمة عظيمة، فقد كانت آية من اللطيف الخبير.
ولم يكن على قوم صالح سوى تركها ترعى في ملك الله، وهم في ستر اللطف آمنون.
“وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64)”(هود)
“وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) (النمل).
“فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ (29) (القمر)
لم يكن التسعة سوى باب لخراب تلك المدينة ولهلاك قومهم، ولم يكن أشقاها سوى أوقحهم وأكثرهم جرأة على الله، ولكن صمت قومهم جعلهم شركاء في الجريمة، فأهلك الله ثمود جميعا لمكر مكره التسعة المفسدون وبادر بتنفيذه أشقاهم:
“قَالَ هَٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156)فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ(157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (158) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (159)”(الشعراء).
“فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ۖ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۗ أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّثَمُودَ(68)”(هود).
“كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا(12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)” (الشمس)

لم تكن ناقة صالح فقط آية لطيف خبير، بل كانت خطا أحمر لجبار قوي منتقم، وما كان على ثمود سوى الطاعة، ولا كان على التسعة سوى الخوف، ولا كان ينبغي على اشقاهم سوى الخضوع وعدم التمرد، او كان على قومه سجنه ومنعه، ولو انهم اوقفوا التسعة المفسدين وحاسبوهم ومنعوهم لما أصابهم ما اصابهم ضمن باب الاحتمال وان كنا نؤمن ان كتاب الله غالب وقدره نافذ وحكمته بالغة.
ولو أننا نظرنا الى حال التسعة ومقالهم لرأيناهم يجادلون:
*ليس للناقة حق في مائنا.
*إنها مجرد ناقة، لا قيمة لها.
*ومن قال أنها ناقة الله، بل اي دليل على وجود الله…لا شيء، إن صالحا يدعي فقط، ولعله ساحر او مخادع.
*نحن التسعة اعلم بمصلحة ثمود، نحن اهل علم وفهم وفلسفة، ولنا الحرية في فعل ما نريد.
*أسطورة دين صالح مجرد ترهات اثبت “علمنا” بطلانها.
*يهددنا إن لمسنا ناقته بسوء، ومن يقدر علينا.
*نطمئن قومنا(قوم ثمود) اننا لا نقوم إلا بما يمليه علينا “ضميرنا”، ونريد الخير لهم، وتحقيق الارادة الانسانية الحرة من كل قيد.
*ناقة صالح خدعة، وهم بصري، ونحن بلغنا مرحلة الفكر الوضعي(لعلهم قرؤوا لأوغست كونت قبل ظهوره او لعله استمرار لهم)، وتجاوزنا اوهام النبوة وخرافات الآلهة.
اما أشقاهم فلو أمكن الحوار معه قبل عقر الناقة فلعله كان يقول:
*انا مفكر حر لا اؤمن بالخزعبلات، لا اله ولا قيامة، وليس صالح سوى دجال وراعي إبل جاهل، وتلك الناقة رمز للدجل والتخلف.
*انا أشجع رجل في ثمود، ولا أخاف من شيء او أحد.
*انا صاحب المبادرة، ومحطم حجارة التخلف وترهات الموروث.
*انا صاحب ثورة على الجمود العقلي ونظريات الالوهية والنبوة التي ثبت انها باطلة.
*سأخلص العالم من شر الناقة.
وبعد عقرها لعلك تراه في نشوة سكره يترنح ويقول:

  • انا البطل، انا صاحب المجد، لقد دونت اسمي في التاريخ، ستذكرني الأجيال على اني محرر العقل ومدمر الاوهام.
    *ما هي الا ناقة، وعقرتها، اي خطورة في الامر.
    *اجل عقرتها، لاني شجاع ولا اخاف، لاني بطل حقيقي ورمز لقوم ثمود كلهم.
    *لماذا كل هذه الجلبة التي يصدرها صالح ومن معه لأجل ناقة، يا للتخلف، عذاب الله، اي عذاب وأي إله، ارني يا سيد صالح عذاب الهك، انا انتظر، منتهى الرجعية والوهم.
    ولعل التسعة احاطوا به مهنئين: لقد شرفتنا. انت سابق لعصرك، روما “عز قدرها” بنفسها تذكرك، ومدينة بومبي تعلق صورك على جدرانها، وجمعية قوم لوط وشجعانها وبطلاتها تساندك، وعاد وتبّع يرسلون إليك التحايا والهدايا.
    ولعل ملك ثمود منح لجنة التسعة التي عقرت ناقة صالح وسام جمهورية ثمود، وكرّم اشقاها تكريما كبيرا وألقى خطابا عظيما بالمناسبة معلنا فيه نهاية عصر صالح وناقته.
    ولعلهم اعدوا تقريرا قبل عقر الناقة عن اهمية عقرها ونحرها، وعن قيمة تدمير كل المبادئ التي دعا اليها صالح، ونظّروا فيها لمرحلة ما بعد الناقة، ولحرية اهل الفساد والالحاد والشذوذ فيما يفعلون، والى البراءة من صالح ومن معه، من دينه وربه وناقته، لانه يسيء اليهم امام “المجتمع الدولي”.
    بل تطيّروا منه ودعوا الى نزع اسمه وذكره واسم دينه وخالقه:
    قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ ۚ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ ۖ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) (النمل).
    في مشهد لاحق قريب سيرى الناظر غضب القوي العزيز، عقابه لمن عصاه وعذابه لمن عقر الناقة وتجاوز الخط الاحمر.
    وسوف يظهر معدن التسعة، وشجاعة اشقاهم، وهم يفرون صارخين طالبين للرحمة، وكذا قومهم وملكهم، وسوف يرى الرائي ما يصيب بومبي حتى تبقى آية عبر العصور، نار ودمار وبركان مدمر، وسوف يرى الرائي ما يصيب تبع وعاد وقوم لوط، ومن شابههم، ولو بعد حين.
    لم يكن اشقاهم شجاعا بل جبانا يدعي شجاعة ابليس في تمرده على ربه وهو أجبن الخلق قلبا.
    ولم يكن التسعة سوى حفرة من حفر النار وقع فيها قومهم.

خلاصة الحكاية: إذا اردت ان تهلك قرية او تخرب مدينة او تنزل سخط الله على بلاد: فانزع خشية الله من قلبك، وأت بتسعة مفسدين اجعلهم هيئة او لجنة، واجعل عليهم اشقاهم أو أشقاهن، ثم اكتب تقريرا ونظّر فيه كيف تشاء لهدم الدين وتدمير ما تبقى من القيم، ثم اعقر الناقة، ونم قرير العين، فليست سوى ناقة في نهاية الامر.
وفي صباح الغد قف واثقا شامخا منيعا، وقل بعزة فرعون اني من الغالبين، وانظر من نافذتك ماذا ترى: مجرد سحاب ممطر، أليس كذلك؟
“فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26) (الأحقاف)

سوسة
16/08/2018 10:00