كلمة عن يوم مولدي

3 دقائق للقراءة

يأتي عيد ميلادي الرابع والأربعون بالكثير من الفرح، وشيء من الحزن والوجع، وبحر لجي من اليقين الكامل المتصل الذي لا تقدر قوة في الأرض على زعزعته، ولا تملك الدنيا بكل ما فيها أن تنقص منه ذرة.
حين أسترجع ذكريات حياتي منذ الطفولة البكر، لا أرى إلا شعلة العزم المتقدة، في مسيرة مليئة بالدراسة والمطالعة والتدريب والكتابة، والكثير من الأوجاع والآلام، التي كان عليها أن تكون لحكمة مرة للقدير سبحانه، تدركها الروح، ويتوجع لها القلب، ويحمل ثقلها الجسد، سنين عددا.
لقد أوقدت السماء أتون امتحانها في الأرض، التي ألقت فيها حديدها ذي البأس الشديد، والمنافع للناس، ولم تمهله كثيرا حتى صهرته بأوارها، وذوبته بنارها، وضربته بمطارق الآلام، على سندان الأيام، عاما بعد عام، حتى كان من أمره ما كان، وصُنع سيفا، مشحوذا بالحكمة، صقيلا باليقين، حادا بالحق للحق، لا يمالئ فيه أحدا، ولا يخشى فيه مخلوقا.
ورغم كل العثرات والكبوات، والأخطاء، والمشاعر المختلطة التي تسري على كيان الإنسان، بين أن يكون ظالما أو مظلوما، قاهرا أو مقهورا، منتصرا أو منكسرا، فإن كل ذلك شكّل لوحة فريدة، وأنتج ما وجدتُ بعض ثماره وأنا أرى تلامذتي من أصقاع العالم، بكل تلك المحبة الغامرة، والصدق الكبير، يحتفلون بعيد ميلادي، في حفل نسقوه بينهم ولم يطلعوني عليه.
بعضهم التقيته مباشرة، والبعض بيني وبينه مسيرة عقدين من الأعوام أو أقل أو أكثر، وآخرون لم ألتقيهم لقاء الأجسام بعد، إنما تعارفت الأرواح فتآلفت، وتلاقت على محبة الله ورسوله وآل بيته والصالحين، وعلى حب الخير وعشق المعرفة، والسير في سبل التنوير والتطوير، ومناهج البحث والتفكير.

في عيد ميلادي الرابع والأربعين، وقد بلغت أشدي، وآتاني ربي من لدنه حكمة ورحمة، وكان فضله علي كبيرا، أنظر بأمل، وأمشي بثقة، وأكمل المسيرة بعزم.
رغم أني أشعر أني عشت في الحياة ألف حياة، كأني انتقلت من كائن إلى آخر، إلى كائن بعده أكثر رقيا وتطورا، وأنا حبيس نفس الجسم، وسجين ذات الجسد، لكن الروح تتطور وتتجدد، وترتقي وتلتقي في البرازخ العليا بأحبة قدامى، تجلت أنوارهم، وظهرت أسرارهم، فبيّنا عنهم، منهم، ونطقنا حولهم، بهم، فكان أن زرعوا بحمد ربهم تلك المحبة في قلوب عشاقهم، فأحبونا، ورأوا سرنا أو شيئا منه بأعين القلوب، فاستعظموا ما أودع الله، وأنِسوا إلى كنف الله.
في حين قد تكون العيون التي في الرؤوس محجوبة، مهما كانت قريبة مكان، وتلك بليّة العارفين، وذاك امتحان الصالحين، فلا نبي في قومه.
سأهدي التحية لكل من هنأني بعيد ميلادي، ولكل من التقيتهم في حياتي جميعا، لكل من أسعدني، أو آلمني، نصرني، أو حاربني، أهداني زهرة امتنان، أو أشهر في وجهي خنجر نكران.
فالذين منحوا المحبة لن يرجعوا إلا بها، وتحيتي إليهم تحية عرفان.
أما الذين آذوا وتمادوا، شمتوا ونافقوا، حاربوا ومكروا، ضربوا بعنف، وتشفوا بحقد، فتحيتي إليهم تحية قتال، لأن المحارب النبيل يحيِّي خصمه، قبل أن يقضي عليه.
وهذا عهد علي، لأقضين عليهم واحدا واحدا، ليس بسيف ولا عنف، فأنا السياف البارع والمحارب القوي ومعلم فنون الدفاع الذي لا يحب العنف ويميل للسلام، لكني سأفعل ذلك بمزيد من الإبداع، وكثير من الفن والعلم، والكثير جدا من الروائع التي يعضدني في إظهارها الرائعون حقا، المحبون صدقا، والقريبون مكانة، ولو  كانوا في بعد مكان.
ورغم أني فعلت الكثير مما عزمت على فعله ذات شهر أسود مظلم قبل ستة عشر عام، حين احترقت أجنحتي وانكسر قلبي، فإن ما تم إعداده، وما سيظهره الله بنا ومنّا، بمدده وتأييده، وجاه حبيبه وآل بيته، والسادة الصالحين، سيكون أعظم وأبقى، وأجمل وأرقى.
فرصة أخرى للمشككين والمستهزئين، كي يحركوا ألسنتهم كما تتحرك رؤوس الأفاعي، أو يهزوا أذنابهم كما يهز من إن تضع عليه يلهث أو تتركه يلهث.
ولكن الأعوام القليلة القادمة ستكون شاهدة على صدق ما أقول، وسنضرب البهتان بالبرهان، ونكسب الرهان، ونجتاز الامتحان، ونُقيم الحجة، لحين ظهور الحجة، ونشحذ الهمة، لإتمام المهمة.
حفظ الله قلوب الصادقين، وعفا الله عنا وعنكم.
وكل عام ونحن وأنتم في بشارة البشارة، وأنوار المنارة، وسر تخفيه الإشارة، عن بوح العبارة.
#عيد_ميلادي
#المحبة_في_الله
#منارة_اليقين
*اخترت هذه الصورة، لعزيزين على قلبي، لأنها تمثل المنارة وكل أبنائها، ثمار كفاح الأعوام وعذابات السنين.