< 1 دقيقة للقراءة
مِنْ بَدِيعِ مَا قَرَأْتُ لِهَارُونَ بْنِ الْمُعْتَصِمِ الْعَبَّاسِيِّ:
مَا كُنْتُ أَعْرِفُ مَا فِي الْبَيْنِ مِنْ حُرَقٍ
حَتَّى تَنَادَوْا بِأَنْ قَدْ جِيءَ بِالسُّفُنِ
قَامَتْ تُوَدِّعُنِي وَالدَّمْعُ يَغْلِبُهَا
فَجَمْجَمَتْ بَعْضَ مَا قَالَتْ وَلَمْ تُبِنِ
مَالَتْ عَلَيَّ تُفَدِّينِي وَتَرْشُفُنِي
كَمَا يَمِيلُ نَسِيمُ الرِّيحِ بِالْغُصْنِ
وَأَعْرَضَتْ ثُمَّ قَالَتْ وَهْيَ بَاكِيَةً
يَا لَيْتَ مَعْرِفَتِي إِيَّاكَ لَمْ تَكُنِ
—
وَقَدْ لَمَسْتُ شَغَافَ قَلْبِي بِرَوْعَةِ النَّظْمِ وَقُوَّةِ التَّصْوِيرِ وَصِدْقِ الإِحْسَاسِ،
فَعَارَضْتُهَا وَضَمَّنْتُهَا كَامِلَةً،
وَجَعَلْتُ فِي الْمَطْلَعِ صَرْخَةَ الْمُتَنَبِّي فِي قَصِيدَتِهِ الأَشْهَرِ:
“وَاحَرَّ قَلْبَاهُ مِمَّنْ قَلْبُهُ شَبِمٌ”.
فَكَانَتْ هَذِهِ الْقَصِيدَةُ الْبَدِيعَةُ فِي نَظَرِي:
—
وَا حَرَّ قَلْبَاهُ مِمَّا شَبَّ فِي بَدَنِي
وَمِنْ دُمُوعِي وَتَسْهِيدِي وَمِنْ شَجَنِي
وَمِنْ حَنِينِي لِمَنْ أَهْوَاهُ مِنْ شَغَفٍ
أَبْلَى الْفُؤَادَ بِمَا أَبْدَى وَقَيَّدَنِي
“مَا كُنْتُ أَعْرِفُ مَا فِي الْبَيْنِ مِنْ حُرَقٍ
حَتَّى تَنَادَوْا بِأَنَّ قَدْ جِيءَ بِالسُّفُنِ”
فَارْتَجَّ فِي الرُّوحِ قَصْرُ الْوَصْلِ وَانْهَدَمَتْ
دُورٌ مِنَ الأُنْسِ وَالأَفْرَاحِ وَالسَّكَنِ
وَالرَّوْضُ فِي النَّفْسِ قَدْ صَارَتْ حَدَائِقُهُ
مِثْلَ الطُّلُولِ لَدَى الْبَيْدَاءِ وَالدِّمَنِ
لَمَّا نَظَرْتُ إِلَى الْحَسْنَاءِ وَاجِمَةً
اشْتَدَّ بِي الْوَجْدُ وَاجْتَاحَ الْحَشَا حَزَنِي
“قَامَتْ تُوَدِّعُنِي وَالدَّمْعُ يَغْلِبُهَا
فَجَمْجَمَتْ بَعْضَ مَا قَالَتْ وَلَمْ تُبِنِ”
وَرْقَاءُ نَائِحَةٌ فِي الأَيْكِ لَوَّعَهَا
حَالَ الْفِرَاقُ بِلَا إِلْفٍ وَلَا وَطَنِ
“مَالَتْ عَلَيَّ تُفَدِّينِي وَتَرْشُفُنِي
كَمَا يَمِيلُ نَسِيمُ الرِّيحِ بِالْغُصُنِ”
ضَمَّتْ يَدِي شَغَفًا لِلصَّدْرِ رَاجِفَةً
وَدَنَتْ لِتَحْضُنَنِي بِالْمُرْهَفِ اللَّدُنِ
“وَأَعْرَضَتْ ثُمَّ قَالَتْ وَهْيَ بَاكِيَةً
يَا لَيْتَ مَعْرِفَتِي إِيَّاكَ لَمْ تَكُنِ”
سوسة 10 أكتوبر 2025 09:52