3 دقائق للقراءة
قَصِيدَةٌ تَحْتَاجُ شَرْحًا لُغَوِيًّا مُطَوَّلًا، ضَمَّنْتُ فِيهَا أَبْيَاتًا لِامْرِئِ الْقَيْسِ، وَبَيْتًا لِعَنْتَرَةَ، وَجُزْءًا مِنْ بَيْتٍ لِأَبِي تَمَّامٍ.
أَتْرُكُكُمْ لِفَهْمِ مَعَانِيهَا وَتَضْمِينَاتِهَا وَمَضَامِينِهَا، وَنَشْرَحُهَا لَاحِقًا.
—
يَا مَنْ شَكَوْتُ لَهَا الْجَوَى لَا تَجْهَلِي
وَسَلِي حَمَامَ الْأَيْكِ كَيْ لَا تَجْهَلِي
يُخْبِرْكِ إِذْ نَاحَ الْحَمَامُ بِأَنَّنِي
قَلْبٌ يَحِنُّ إِلَى الزَّمَانِ الْأَوَّلِ
وَلَقَدْ شَرِبْتُ شَرَابَ وَصْلِكِ بِالْحِمَى
وَهَمَسْتُ يَا شَبَهَ الْغَزَالِ تَدَلَّلِي
حَتَّى ابْتَلَانِي الدَّهْرُ أَدْرَكَنِي النَّوَى
وَغَدَوْتُ صَبًّا بِالصَّبَابَةِ يَصْطَلِي
نَادَيْتُ وَاشَوْقَاهُ إِيهِ مَنْ الَّذِي
قَدْ فَرَّقَ الْإِلْفَيْنِ لَيْسَ بِمُمْهِلِ
يَغْتَالُ نَوْمَ الْعَيْنِ غِيلَةَ غَادِرٍ
وَيَقْضُ مَضْجَعَ هَائِمٍ مُتَبَتِّلِ
وَاللَّيْلُ لَمْ يَبْرَحْ بِجَفْنِي مُطْبَقًا
قُلْتُ ارْتَحِلْ يَا لَيْلُ وَيْحَكَ وَانْجَلِ
بِفَجْرٍ لَعَلَّ الْفَجْرَ يَمْسَحُ أَدْمُعِي
“بِصُبْحٍ وَمَا الْإِصْبَاحُ مِنْكَ بِأَمْثَلِ
فَيَا لَكَ مِنْ لَيْلٍ كَأَنَّ نُجُومَهُ
بِكُلِّ مُغَارِ الْفَتْلِ شُدَّتْ بِيَذْبُلِ”
لَقَدْ فَاضَتِ الذِّكْرَى عَلَيَّ وَلَمْ تَزَلْ
تَكْوِي الْفُؤَادَ بِمَا ذَكَرْتُ وَمَا سُلِي
وَيَعْنُ لِي طَيْفُ الْحَبِيبِ إِذَا بَدَا
طَلَلٌ يَحِنُّ إِلَى الْعُصُورِ الْأُوَّلِ
مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ بُعْدَهَا قَاتِلِي
حَتَّى مُنِيتُ مِنَ الْفِرَاقِ بِمَقْتَلِي
وَسَأَلْتُ يَا بِنْتَ الْكِرَامِ أَمُدْرِكِي
مِنْكِ اللِّقَاءَ وَقَدْ عَزَمْتِ لِتَرْحَلِي
يَا لَهْفَ مَقْتُولِ الْعُيُونِ إِذَا بَدَا
مِنْ هَوْدَجِ الْحَسْنَاءِ دَمْعُ الْمُسْدِلِ
مَنْ وَجْهُهَا لِلْعَيْنِ بَدْرٌ كَامِلٌ
مَنْ همسُهَا لِلْأُذْنِ شَدْوُ الْبُلْبُلِ
فَكَأَنَّنِي وَالْعِيسُ تَرْحَلُ بِالدُّمَى
وَبِظَبْيَةٍ قَدْ زَانَ مِعْصَمَهَا الْحُلِي
مَطْعُونُ أَرْمَاحٍ ذَبِيحُ خَنَاجِرٍ
شِلْوٌ عَفَتْهُ الرِّيحُ يَوْمَ الْقَسْطَلِ
وَقَائِلَةٍ عِنْدَ الْغَدِيرِ فَضَحْتَنِي
كَمَنْ فَضَحَ الْأُخْرَى بِدَارَةِ جُلْجُلِ
وَقَالَتْ وَقَدْ مَالَ الْغَبِيطُ إِذِ انْبَرَى
“عَقَرْتَ بَعِيرِي يَا امْرَأَ الْقَيْسِ فَانْزِلِ”
فَقُلْتُ لَهَا وَالْجَفْنُ مَا عَرَفَ الْكَرَى
إِذَا مَا دَرَيْتِ عَنِ الصَّبَابَةِ فَاسْأَلِي
مِيلِي عَلَيَّ وَلَا تَمِيلِي إِلَى السِّوَى
وَإِذَا أَتَيْتُ إِلَى الْجِوَارِ فَأَقْبِلِي
فَالْحُبُّ لَا يَحْلُو بِبُعْدِكِ وَالْمُنَى
أَنِّي أُشَارِكُكِ الْمُدَامَ وَأَنْتِ لِي
إِنَّ اللَّمَى خَمْرُ الْغَرَامِ وَإِنَّنِي
رَبُّ الْغَرَامِ بِمَا يَلَذُّ وَيَبْتَلِي
إِنْ لَذَّ لَذْتُ بِمُقْلَتَيْكِ وَإِنْ أَبَى
كُنْتُ الْأَبِيَّ وَإِنْ صَفَا لِي أَخْتَلِي
هَا أَنْتِ عِنْدِي يَا عَنُودُ وَعِنْدَنَا
عَذْبُ الْوِصَالِ وَقَدْ طَرِبْتُ فَعَنْدَلِي
وَأَعِدِّي لِي عُودًا يُعِيدُ سُلَافَةً
مِنْ خَمْرَةِ الْمَعْنَى بِعَزْفِكِ وَاعْدِلِي
يَا ذُرْوَةَ الْحُسْنِ الَّتِي قَدْ رُمْتُهَا
يَا عِشْقِيَ الْأَزَلِيَّ قَبْلَ تَصَلْصُلِي
بِكِ قَدْ سَكِرْتُ كَأَنَّ حَالَكِ مَسَّنِي
فَمَشَيْتُ جَذْلَانَ الْفُؤَادِ لِمَوْئِلِي
وَأَتَيْتُ دَارًا لِلنَّبِيِّ وَآلِهِ
بِالْبَابِ فَاطِمَةٌ وَحَارِسُهَا عَلِي
وَمَشَيْتُ لِلسِّبْطَيْنِ تَسْبِقُنِي الْخُطَى
وَقَصَدْتُ أَكْنَافَ الرِّجَالِ الْكُمَّلِ
فَلَكَمْ هُنَالِكَ مِنْ نَبِيٍّ مُخْلَصٍ
وَلَكَمْ هُنَالِكَ مِنْ رَسُولٍ أَوْ وَلِي
كُلُّ الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ تَنَزَّلُوا
وَالرُّوحُ يَنْزِلُ بِالْكِتَابِ الْمُنْزَلِ
هُنَا أَصْلُ تَكْوِينِي وَمَكْمَنُ عِزَّتِي
هُنَا أَوَّلُ الْبُشْرَى بِأَطْهَرِ مَنْزِلٍ
“كَمْ مَنْزِلٍ فِي الْأَرْضِ يَأْلَفُهُ الْفَتَى
وَحَنِينُهُ أَبَدًا” لِبَيْتِ الْأَكْمَلِ
بَيْتُ التُّقَى وَالْهُدَى بَيْتُ مُحَمَّدٍ
فِي سَابِقِ الْأَيَّامِ أَوْ فِي الْمُقْبِلِ
قَدْ قَالَ قَائِلُهُمْ بِحَامِيَةِ الْوَغَى
وَالْأَرْضُ غَلْيُهَا مِثْلُ غَلْيِ الْمِرْجَلِ
“لَا تَسْقِنِي مَاءَ الْحَيَاةِ بِذِلَّةٍ
بَلْ فَاسْقِنِي بِالْعِزِّ كَأْسَ الْحَنْظَلِ”
كَانُوا الْأَعَزَّ وَكَانَ يَبْهَتُ خَصْمَهُمْ
دَاسُوهُ بِالْبُرْهَانِ دَوْسَ الْأَرْجُلِ
فَهُمُ الَّذِينَ لَهُمْ يُطَأْطِئُ هَامَهُ
مَجْدُ الزَّمَانِ بِمَا يَجِلُّ وَيَجْتَلِي
وَهُمُ الْفَوَارِسُ لَا يُدَانَى رِكَابُهُمْ
سَادُوا الْوَطِيسَ بِمُرْهَفٍ وَمُجَنْدِلِ
لَا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَلَا فَتَى
إِلَّا الَّذِي بَعْدَ النَّبِيِّ غَدًا يَلِي
شَهِدَ الْإِلَهُ لِآلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ
وَيَحِقُّ مَحْضُ الْفَضْلِ عِنْدَ الْأَفْضَلِ
فَهُمُ الْأَحَقُّ بِكُلِّ مَجْدٍ تَالِدٍ
سَادُوا الْبَرِيَّةَ بِالْجَلِيِّ الْأَجْمَلِ
وَهُمُ الْأَحَقُّ بِكُلِّ أَدْهَمٍ مُسْرَجٍ
قَهَرَ الْكُمَاةَ فَلَا أَذَلَّ وَلَا عُلِي
“مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا
كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ”
أَلَا خَيَّبَ اللَّهُ الَّذِينَ قُلُوبُهُمْ
كَادَتْ لِآلِ الْبَيْتِ كَيْدَ التَّتْفُلِ
أَيَصُدُّ بُغْضًا مَنْ أَتَاهُ مُؤَيَّدًا
نُورٌ مِنَ الرَّحْمٰنِ لم يتَبَدَّلِ
يَأْبَى وُجُوهَ الْعِزِّ مَذْلُولَ الْوَرَى
وَتَصُدُّ ضَوْءَ الشَّمْسِ عَيْنُ الْأَحْوَلِ
سوسة ٩ أكتوبر ٢٠٢٥. ١٧:٢٥
—