حالة عشق

2 دقائق للقراءة


في قلبي جراح كثيرة.
وفي جراحي قلب كبير.
وبين جرح القلب، وقلب الجرح، أدركت قلب المعنى، وأصبت كبد القصيدة.
كنت أكتب الشعر، كما يكتب النزيف في الجرح الغائر الذي لا يندمل.
وكان يكتبني الشعر، كنحات عجوز يمكث مع الحجارة يشكّلها على طيف خياله، مكث موج الموانئ مع الصخور، نحتا بطيئا جريئا مليئا بالمعاني.
لم أكن عاشقا سخي الحظ، لكني كنت عاشقا سخي الوجع.
الوجع يصنعنا.
يمنحنا معاني أخرى لم نكن ندركها عن أنفسنا.
والعشق بوابة من الألم والشغف والسهد والرغبة التي لا تتحقق، ولو تحققت تجدد الظمأ كأنه لم يكن ارتواء.
كل هذا لا يكفي لصناعة شاعر: لا بد من عمل الجينات، ومن روحانية اللغة، ومن أرواح الغابرين.
ولواعج العشاق السابقين الذين رحلوا بزفراتهم إلى السماء وتركوا دموعهم على الأرض نهرا من النار والنور.
أنا لم أعد أنا..
هجرت باكي الأطلال وطائر البان الذي حط على كتفه زمنا يهيّج أشجانه(١).
وتركت جارة الوادي التي طربت وعادني ما يشبه الأحلام من ذكراها (٢).
ورحلت في الارض، في العمق، في المعنى، اكتشف وجوها أخرى لذاتي العاشقة.
للعشق سبعون بابا، كل باب يؤدي للذي يليه.
وبين “رمت الفؤاد مليحة عذراء” (٣)، و”لقد صارَ قلـبي قابلاً كلَ صُـورةٍ” (٤)، رحلة من العذاب والألم والأمل والتحدي، من الغياب والغربة والمدن التي لا استطيع تلخيص أسمائها في أقاصي الأرض.
الآن ساعة هدوء، وغدا يوم آخر، لمعنى جديد، وعشق جديد، يتجاوز عشق المخلوق، إلى عشق الخالق، ويحطم وهم البقاء، إلى حقيقة الفناء.

#لحظة_فناء
#تجدد
١: إشارة إلى قول عنترة بن شداد في قصيدته الشهيرة: يا طائِرَ البانِ قَد هَيَّجتَ أَشجاني
وَزِدتَني طَرَباً يا طائِرَ البانِ
إِن كُنتَ تَندُبُ إِلفاً قَد فُجِعتَ بِهِ
فَقَد شَجاكَ الَّذي بِالبَينِ أَشجاني
زِدني مِنَ النَوحِ وَاِسعِدني عَلى حَزَني
حَتّى تَرى عَجَباً مِن فَيضِ أَجفاني
٢: إشارة لرائعة احمد شوقي:
يا جارة الوداي طربت وعادني
ما يشبه الأحلام من ذكراكِ
التي لحنها وغناها محمد عبد الوهاب سنة 1928 ثم غنتها فيروز بعد عقود بلحن الرحابنة.
٣: إشارة لرائعة عنترة:
رَمَتِ الفُؤَادَ مَليحَةٌ عَذراءُ
بِسِهامِ لَحظٍ ما لَهُنَّ دَواءُ
مَرَّت أَوانَ العيدِ بَينَ نَواهِدٍ
مِثلِ الشُموسِ لِحاظُهُنَّ ظُباءُ
فَاِغتالَني سَقَمي الَّذي في باطِني
أَخفَيتُهُ فَأَذاعَهُ الإِخفاءُ
٤: إشارة لأبيات عرفانية عظيمة للشيخ محي الدين بن عربي:
لقد صارَ قلـبي قابلاً كلَ صُـورةٍ ..
فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيرٌ لرُهبـَــــانِ
ِوبيتٌ لأوثــانٍ وكعـــبةُ طـائـــفٍ ..
وألـواحُ تـوراةٍ ومصـحفُ قــــــرآن
أديـنُ بدينِ الحــــبِ أنّى توجّـهـتْ ..
ركـائـبهُ ، فالحبُّ ديـني وإيـمَاني