موسوعة البرهان، الجزء الأول (41): علم الأسس (20) الحسبان (2)

2 دقائق للقراءة

والحسبان مرتبط بعلم الحساب وعلوم الأرقام، فالله حسب كل شيء بدقة لا يمكن تصورها، ولا يمكن لك أن تدرك حسابات يومك وحياتك إذ تنسى كثيرا في اليوم الموالي ولو نظرت إلى رقم متسلسل ثم حاولت تذكره لنسيته، فتأمل عظمة الله، فهو إحصاء بلا نسيان، لما هو كائن ولما سيكون ولما كان، فتأمل رد نبي الله موسى عليه السلام على عدو الله فرعون عليه اللعنة: ” قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)”
ثم تأمل كيف أن البشرية تنسى كثيرا فإذا جاء يوم الفصل تبين لها أن الله أحصى كل شيء بلا تفويت ولا نسيان: ” يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا ۚ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)”
فالله سبحانه هو المحصي، وهو المحيط بكل شيء إحاطة إحصاء كلي وحسبان تام، وهو الذي لا يشغله حساب عن حساب وشيء عن شيء، فذلك مع حساب العبد ومحاسبة الخلق من معاني قوله سبحانه: “إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)”
ولقد جعل من ملائكته موكلين بهذه الحسابات وهم العادّون، فذلك المعنى الذي أرتضيه لهم في قوله سبحانه: “قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113)”
إذ الأمر أدق وأشمل من مقدورات البشر على الحساب والعد….ولكنه مندرج ضمن نظام ملائكي حسباني معقد جدا، فهنالك ملائكة موكلون بالحسبان الإلهي، منهم العادّون الذين ذكرنا ضمن مجال واسع شاسع من الحسبان عامة، ومنهم مخصصون بحسبان خاص محدد فمن ذلك رقباء يراقبون ويحسبون على الإنسان كل حركة وسكنة وكل حياته من أولها إلى ختامها فهم الحفظة الحافظون الكرام الكاتبون: “وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)”
فهم متخصصون في الشأن الإنساني (ربما التكليفي للثقلين) حيث خصص الله لكل إنسان ومكلّف مراقبين شخصيين: “مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)”
وكذلك خصه رحمة ولطفا بحافظين ومعقبات يحفظونه ويراقبونه ويتابعونه ليلا ونهارا: “سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ (11)”
وكل هذا قائم بحسبان دقيق جدا، وهو حسبان إحصائي دقيق شامل يندرج ضمن “الرصد”، الذي يرتبط بمراقبة دقيقة عن قرب بشكل حسابي إحصائي، وكذلك إحصاء أعداد كل شيء حيث لا يغيب ويعزب شيء مطلقا، وتجد كل هذه المعاني في قوله سبحانه: ” إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)”
فالغيب والعلم به حسبان لما هو آت وللمقادير كلها، والرصد خصص هنا بالأنبياء، لكن الله يرصد كل شيء، فهو بالمرصاد دائما: ” إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)”

مقالات ذات صلة

في النظر والمنظور
في كل مسألة نظر، وفي كل نظر منظور، وقد يختلف باختلاف الناظر، فمن نظر بالحكمة وجد أثرها، ومن نظر محبا أو منبهرا، كارها أو...
4 دقائق للقراءة
أحوال القلوب
في سيرورة الأيام حكم قديمة تتجدد، وآيات لله تنجلي وفق سنة وناموس إلهي لا تبديل له.تحت بند قوله سبحانه:﴿سُنَّةَ ٱللَّهِ فِی ٱلَّذِینَ خَلَوۡا۟ مِن...
4 دقائق للقراءة
كلمة حق حسينية
سواء كنت سنيا أو شيعيا، فقضية الإمام الحسين تعنيك، لأنها من جواهر القضايا التي يقاس بها الإيمان ويمتحن بها تحقق معنى الإسلام.لا إيمان دون...
< 1 دقيقة للقراءة
الوظيفة المحمدية في الصلاة على خير البرية
ة بسم الله الرحمن الرحيم﴿لَقَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُولࣱ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِیزٌ عَلَیۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِیصٌ عَلَیۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِینَ رَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ﴾ [التوبة ١٢٨]﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ إِنَّاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ شَـٰهِدࣰا...
2 دقائق للقراءة
زيارة الشيخ حمود الصوافي
‏تشرفت يوم أمس بزيارة العبد الصالح العلامة الكبير الشيخ حمود بن حميد الصوافي، في مدرسته العامرة للعلوم الإسلامية في مدينة سناو من أرض عمان...
2 دقائق للقراءة
سلام في باب السلام
حين تحل عنده، تحل عندك البركات.وحين تنزل مدينته، تنزل عليك الرحمات.وحين ترد عليه بالصلوات، ترد إلى قلبك أمداد الصلوات.وعندما تدخل باب السلام،  يهبك الله...
< 1 دقيقة للقراءة
في شهود البيت العتيق
وأنت بجوار الكعبة المشرفة، تشهد المشهد العظيم، ترى بعينك الطائفين، وترى بقلبك الأولين، وتنظر بروحك إلى وجوه النبيين، من آدم الأول، بعد أن تاب...
3 دقائق للقراءة
عن الحق والباطل
كل فضيلة تقع بين رذيلتين.الكرم بين البخل والتبذير.والشجاعة بين الجبن والتهور.وكل حق يقع بين باطلين: باطل يحجبه، وباطل يسعى لتزييفه. هكذا حدثتني الروح، وهكذا...
< 1 دقيقة للقراءة
في مقام الوالدين
عظم الله قدر الأم، وأبان عن عظيم شرفها في كتابه، وأوصى الإنسان بوالديه ووصّاه ببرهما، فقال عز من قائل: ﴿وَوَصَّیۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَ ٰ⁠لِدَیۡهِ حُسۡنࣰاۖ﴾ [العنكبوت...
2 دقائق للقراءة
وظيفة الاستغفار
وظيفة الاستغفارمن الوظائف الخاصة في الطريقة الخضرية العلية.مع صدق الرجاء وإخلاص النية في الدعاء، والتوجه القلبي الكلي إلى الله، والتوسل بمن للوسيلة ارتضاه.لها بفضل...
2 دقائق للقراءة