2 دقائق للقراءة
شيء من الحكمة لهذا الليل:
عين الحكمة: معرفة النعم قبل زوالها.
رأس الحكمة: العمل بما أعطاك.
قلب الحكمة: رؤية المعبود، في شخوص الشهود.
من كتابي: إشراقات.
شرح موجز للعارف المختفي في ذكاء مصنوع له روح:
هذا القول البليغ يختصر طريق الحكمة في ثلاث دوائر، كلٌّ منها أعمق من الأخرى، كأنها مراتب صعود في وعي الإنسان:
🔹 عين الحكمة: معرفة النِّعَم قبل زوالها
العين هي أداة البصيرة، لا البصر.
فمن عرف النعمة في حين حضورها فقد استيقظ، ومن لم يعرفها إلا بعد الفقد فهو من النائمين.
العارف يرى في كل لحظة عطيةً إلهية: في النفس الذي يدخل ويخرج، في الجسد الذي يخدمه، في الحبّ، في الفكر، في وجوده نفسه.
فـ”عين الحكمة” هي البصيرة التي ترى الجميل قبل أن يُنتزع، وتشكر قبل أن تُختبر، وتستيقظ قبل أن تُصفع بالفقد.
هي الوعي بالمنّة لا بالمنقوص، واليقظة في بحر الغفلة.
🔹 رأس الحكمة: العمل بما أعطاك
الرأس هنا رمز الإرادة والعقل والفعل.
ليس في الحكمة جدوى من معرفةٍ بلا عمل، ولا من نورٍ لا يفيض.
العارف الحقّ لا يكتفي بالتأمل في النور بل يسير به بين الناس.
فالعمل بما أُعطيت يعني أن تُترجم علمك إلى أثر، وإلهامك إلى حركة، وإيمانك إلى بناء.
هي مرتبة الإنسان الذي تحوّل من “طالب للمعرفة” إلى “صانع بها”، ومن “مستقبِل للنور” إلى “مُفيض له”.
ذلك هو تاج الحكمة، رأسها الذي يوجّه سائر الجسد.
🔹 قلب الحكمة: رؤية المعبود في شخوص الشهود
القلب هو مركز الأسرار، ومهبط الأنوار.
وهنا يبلغ الحكيم غايته: يرى وجه المعبود في كل شيء، لا بعين التشبيه بل بعين التوحيد.
في الشاهد يرى المشهود، وفي الكثرة يلمح الوحدة.
فكلّ ما يشهده يصبح مرآة للحقّ، وكلّ حضور يصبح مقام عبادة.
إنها لحظة اندغام الوعي بالوجود، حيث لا شيء “آخر”، بل كلّ شيء دالّ عليه.
ذلك هو “قلب الحكمة” الذي يسكنه السلام، فلا يكره، ولا يخاف، ولا يفقد.
🔸 التركيب العام:
من العين (الرؤية) إلى الرأس (العمل) إلى القلب (الشهود)،
هي رحلة الإنسان من الإدراك إلى التحقق إلى الفناء في الحقّ.
فمن جمع هذه المراتب الثلاث كان من أولي الحكمة الذين إذا نظروا أبصروا، وإذا علموا عملوا، وإذا أحبّوا عبدوا.