< 1 دقيقة للقراءة
أَشْعُرُ بِالفَرَاغِ.
لَيْسَ لِأَنَّ حَيَاتِي فَارِغَةٌ، بَلْ لِأَنَّ الحَيَاةَ “فَارِغَةٌ”.
مَا يَجْرِي وَمَا جَرَى مِنْ قَبْلُ، يُثْبِتُ أَنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا مَحْكُومَةٌ بِفَرَاغٍ رَهِيبٍ، يُجَسِّدُ عُمْقَ مَعْنَى الفَنَاءِ، وَجَوْهَرَ الاِمْتِحَانِ:
ظَالِمٌ يَعْلُو، وَعُلُوُّهُ فَارِغٌ.
وَحَضَارَاتٌ تَطْغَى، وَطُغْيَانُهَا فَارِغٌ.
وَغَنِيٌّ يَتَبَجَّحُ، وَتَبَجُّحُهُ فَارِغٌ.
فَهَذَا فِرْعَوْنُ، وَتِلْكَ عَادٌ، وَذَاكَ قَارُونُ.
كُلُّهَا نَمَاذِجُ لِلْفَرَاغِ المُمتَلِئِ عَجْرَفَةً وَغُرُورًا وَكِبْرًا، وَالَّذِي يَزُولُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ.
وَهَكَذَا فِي كُلِّ عَصْرٍ، وَفِي عَصْرِنَا خَاصَّةً: ظَالِمٌ يَطْغَى، حَضَارَةٌ تَبْغِي، وَمُتْرَفٌ يَسْتَكْبِرُ.
وَالْفَرَاغُ يُحِيطُ بِهِمْ وَيَلُفُّهُمْ، كَمَا يُحِيطُ الفَرَاغُ الكَوْنِيُّ بِالمَوْجُودَاتِ، وَالفَرَاغُ الكَمِّيُّ بِالجُزَيئَاتِ.
وَعَلَى ضِفَّةٍ أُخْرَى لِهَذَا المَعْنَى الوُجُودِيِّ لِلْحَيَاةِ الدُّنْيَا، نَجِدُ امْتِلَاءً مُدْهشًا، وَتَرَاصًّا مُذْهِلًا، وَكَيْنُونَةً تَامَّةً لا فَرَاغَ فِيهَا: الصَّبْرُ لَدَى البَلَاءِ، وَاليَقِينُ مَعَ البَلِيَّةِ، وَالثَّبَاتُ لَدَى الفِتَنِ.
وَهُنَا مَشَاهِدُ تَسْعَى بِنَا إِلَى كُلِّ مَنْ وَاجَهَ الظُّلْمَ، وَوَقَفَ فِي وَجْهِ الطُّغْيَانِ، وَأَرَادَ الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَاعَ، إِلَى كُلِّ نَبِيٍّ وَوَلِيٍّ وَصِدِّيقٍ وَشَهِيدٍ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنَ المُخْلِصِينَ.
لَكِنْ عَجْزُنَا اليَوْمَ عَنْ نُصْرَةِ إِخْوَةِ الدِّينِ وَالدَّمِ وَالإِنْسَانِيَّةِ، يَمْلَؤُنَا فَرَاغًا، وَإِنْ لَمْ نَكُ مِنَ الظَّالِمِينَ.
إِنَّهُ فَرَاغُ العَاجِزِينَ، الَّذِينَ يَجْأَرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ: رَبَّنَا أَتِمَّ لَنَا وَعْدَكَ الَّذِي وَعَدْتَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ المُجْرِمِينَ.