2 دقائق للقراءة
اغتيالُ الناشطِ والسياسيِّ الأمريكيِّ اليمينيِّ الراديكاليِّ الصهيونيِّ شارلي كيرك، من قِبَل طالبٍ ينتمي إلى نفس المدرسةِ الأيديولوجيّةِ الدينيّةِ، ليسَ مجرّدَ حادثٍ عابرٍ في تاريخِ الولاياتِ المتّحدة.
إنّه حدثٌ مفصليٌّ يُذكّرُنا باغتيالِ كينيدي، أو بمحاولةِ اغتيالِ دونالد ترامب.
إنّه صراعُ أبناءِ المدرسةِ الواحدة، الذي يتّخذُ شكلاً دمويًّا، ويتحوّلُ إلى شرخٍ مجتمعيٍّ وسياسيٍّ وأيديولوجيّ.
اليوم، نحنُ أمامَ حالةِ احتقانٍ أمريكيّة، وتفتّتٍ داخليٍّ، حيثُ تتضاربُ المصالحُ والرؤى حتّى بين أبناءِ المدرسةِ الواحدةِ والحزبِ الواحد.
يعتقدُ ترامبُ، مع حركةِ Make America Great Again، أنّ الأمورَ ستُحسم، وأنّ العوائلَ الكبرى غلَبَت.
لكنّ الحقيقةَ غيرُ ذلك:
غلاءُ الأسعار، كثرةُ الفقر، انتشارُ البطالة، واحتيالُ البنوكِ على آلافِ الأمريكيين الذينَ فقدوا منازلَهم وتمزّقت أسرُهم.
وارتفاعُ المعيشةِ دفعَ بعضَ أبناءِ “العم سام” إلى المكسيك لشراءِ البيضِ والخبزِ والخضر، في مشهدِ كوميديا سوداء، بعد أنْ كانت الأسوارُ تُبنى في وجهِ المكسيكيينَ الفارّين من الفقرِ والخصاصةِ وكارتيلاتِ المخدّرات.
إنّ الولاياتِ المتّحدةَ قوّةٌ عظمى بلا ريب، لكنّها تتمزّقُ الآن، وتترنّحُ في تضخّمٍ اقتصاديٍّ ومشاكلَ حقيقيّةٍ عمّقتها قراراتُ ترامب الغريبة، التي أضرّت بالكثيرِ من الشركات، خاصّةً الصغرى والمتوسّطة، وأرهقت المواطنَ الأمريكيَّ البسيط.
كما أحدثت شرخًا غيرَ مسبوقٍ بين أمريكا والدولِ الغربيّة، مع استمرارِ الارتهانِ للصهيونيّة، ودفعِ أموالِ دافعي الضرائبِ إلى إسرائيل، وسطَ تململٍ كبيرٍ في الداخلِ الأمريكيِّ ضدّ ذلك.
كلُّ هذا في كفّة، وترجحُ به كفّةٌ أخرى أشدُّ وطأةً وأعظمُ ثِقلاً: ثلاثيُّ الصين، وروسيا، وكوريا الشماليّة، ضمنَ ثِقلٍ اقتصاديٍّ وعسكريٍّ يؤشّرُ إلى ميلادِ قوّةٍ عظمى جديدةٍ أوفرَ مالاً، وأقوى اقتصادًا، وأبرعَ اختراعًا، وأكثرَ عددًا.
ما ستكشفُ عنهُ الأعوامُ القادمةُ ليسَ بسيطًا ولا سهلاً، بل غايةٌ في التعقيد، مع مخاطرِ الاحترابِ الداخليِّ في الولاياتِ المتّحدة، على شكلِ حربٍ أهليّةٍ أو عصيانٍ مدنيٍّ، أو تمرّدِ بعضِ الولاياتِ على السلطةِ الأمِّ في واشنطن.
إلى جانبِ تصدّعاتٍ في حلفِ الناتو، ومشاكلَ مع أوروبا التي ترومُ دخولَ الحربِ ضدَّ روسيا لأنّها تختنقُ اقتصاديًّا، وقد تتّخذُ بولندا ذريعةً لذلك، ضمنَ مناوراتِ الحارس الشرقي التي يُرادُ لها أنْ تتحوّلَ إلى حرب.
ثمّ الأزمةُ في أمريكا اللاتينيّة، وحتميّةُ حربٍ طاحنةٍ هناك لأجلِ نزعِ السلطةِ من المعارضينَ لأمريكا، خصوصًا في فنزويلا والبرازيل.
أضف إلى ذلك تغيّراتٍ في التحالفاتِ بين دولِ الخليجِ والأمريكان، خصوصًا بعد الهجومِ الإسرائيليِّ على الدوحة، واحتمالاتِ تحالفاتٍ جديدةٍ مع إيران وباكستان، أو على الأقلِّ حالةِ وعيٍ سياسيٍّ واستراتيجيٍّ مختلفة، أكثرَ حذرًا وأشدَّ حِيطة.
إنّه زمنُ ما بعد كورونا، التي دمّرت الاقتصاداتِ والمجتمعاتِ والأنفس.
ذلك الوباءُ الذي تمَّ تصنيعهُ لغرضِ تمزيقِ البشريّةِ وتدميرِ الدول، والذي قد يعقُبُه ما هو أشدُّ فتكًا وأقوى هندسةً جينيّة.
وهو كذلك زمنُ الذكاءِ الاصطناعيِّ المنفلتِ من كلِّ قيد، والذي يشكّلُ بدورهِ خطرًا حقيقيًّا على الوجودِ البشريّ.
حتّى أصبحت أفلامُ السينما تُشيرُ إلى ذلك تنبيهًا وتحذيرًا، كآخرِ أفلامِ السلسلةِ الشهيرةِ Mission Impossible مع النجمِ الكبير توم كروز، والذي أنصحُ بمشاهدتِه بشدّة، لعلّنا نفهم شيئًا ممّا يُدبَّر، وممّا يُراد.
وإذا أضفنا احتمالاتَ توسّع روسيا إلى بعضِ دولِ الناتو كبولندا، وسيطرةَ الصينِ على تايوان، وهجومَ كوريا الشماليّة على الجنوبيّة، واندلاعَ حربٍ طاحنةٍ بين الهندِ وباكستان، فإنّ بقاءَ العالمِ بعيدًا عن حربٍ عالميّةٍ ثالثةٍ يبدو أمرًا صعبًا.
في نظري، هي حتميّةٌ تاريخيّةٌ مستقبليّة.
السؤالُ الذي يُحيّرني: ماذا أعددنا لكلِّ هذا؟