3 دقائق للقراءة
كيف نعرف من نتبع؟
وكيف نميز الحق من الباطل، وندرك أننا نسير في الطريق الصحيح، ولسنا نتبع الهوى، أو نحسب الزيغ رشدا؟!
هذه أسئلة طرحها واجب، والإجابة عنها ضرورية، قبل أن يتخذ المرء شيخا أو معلما، أو يتبع منهجا، وينتمي لمدرسة أو طريقة.
بل إن إعادة طرح تلك الأسئلة بعد أخذ القرار، مهمة جدا، من باب مراجعة الأمور، ووزن المسائل بميزان العقل والمنطق، وتغليب الحجة، وتتبع الدليل، واستجلاء البرهان.
وجواب ما سألنا بسيط، وقد حدد الرسول الأعظم، ثم الإمام الأكرم، للسائل سبيلا، وللمتحير دليلا.
يقول الحبيب عليه وعلى آله السلام: المرء بأصغريه، أو مخبوء تحت أصغريه، قلبه ولسانه.
وقال سيدنا علي عليه السلام: تكلم كي نعرفك.
هذه محددات تستجلي طوية الجنان وخفي الكيان في جلي البيان، وتربط القلب باللسان، والنطق بالعرفان.
وإذا وسعنا دائرة الإمكان، دخلنا في خط القلم وما يبدع، لأنه يترجم ما في القلب واللسان معا.
ببساطة: نسمع المتكلم إذا تكلم، ففي بيانه وكلماته، مجلى حقيقة ذاته.
فالفصاحة وسلاسة الكلام وجزالة اللفظ وظهور الحجة ورسوخ العلم وطلاقة اللسان وقوة البيان تنبئ عن معدن صاحبها.
وسعة الاطلاع ودقة الوصف وشمول الرؤية وبراعة الطرح وانسيابية الفكر دلائل ووسائل، لفهم مضمون الرسائل، وشفاء غليل السائل.
فالعارفون لهم بيانهم، والعشاق لهم كلماتهم، والعلماء ينجلي علمهم ويتضح فهمهم في ما يطرحون وما يكتبون وما يبينون.
والجاهل يفضحه حديثه، والمدعي تكشفه أقواله، لأن العلم والفصاحة جليان، وحقيقة الجهل والزيف لا يمكن للادعاءات الجوفاء والحركات الفارغة أن تسترها، ولا للشكل والمظهر أن يخفيها، كما أن اللباس لا يصنع الناسك، ومن يدعي أنه سياف يفضحه السيف والميدان إن لم يكن كذلك.
لذا إن اخترت معلما أو شيخا، فتتبع ما يقول، وادرس ما يكتب، واحكم بعدل ولا تمل ميل الهوى، أو تتبع سمت من غوى، فرب مادح يبالغ في المدح، يغدو قادحا يغالي في القدح، لأنه لم يمدح عن بينة، ولم يقدح عن بينة.
فذلك حال المذبذبة قلوبهم، الضعيفة نفوسهم، والمتغيرة أحوالهم، فهم على حرف، إن انبهروا قالوا عنك ما ليس فيك، وإن انقلبوا قالوا عنك ما ليس فيك.
وكذلك التحلي بروح النقد وقدرة التمييز، لأن عمى الانتماء يعمي عن المساوء، فلا يقدر المنتمي لمذهب أو طريقة أو طائفة أو أيديلوجيا أن ينقدها من الداخل ويقيمها برجاحة عقل وهدوء فكر وصفاء نفس، طالما تعصب لما ينتمي إليه، وتطرف لما يحسبه الحق المطلق.
وتجده لا يرى محاسن الفكر أو المذهب أو المنهج الذي لا ينتمي إليه، أو يعاديه، لأن من هم على نهجه يعادونه.
ولعمري إن التعصب لأعمى، وإن العداوة لمعمية.
والحكيم من أنصف في حكمه، وتتبع الحكمة حيث وجدها.
والعارف من درس الأمور وقاسها، وأعمل عقله في كل مسألة، واستفتى قلبه، ولم ينقد إلا عن علم، ولم يحكم إلا عن معرفة، ومال مع الدليل، أيا كان مصدره ومآله، وترك ما ليس بحق أيا كان منبعه وموضعه.
وهذا نهجنا وطريقنا، ولهذا ندعو من يتبع طريقتنا، ويتابع فكرنا، ويأخذ عنا، في شتى المعارف والتخصصات ومختلف الميادين التي نحاضر فيها وندرسها ونكتب في شأنها.
محاضراتنا منشورة، ودروسنا معلومة، ونهجنا واضح، وكتبنا متاحة للدارس والممحص، وندواتنا ومشاركاتنا الاعلامية عبر العالم لا تحتاج عناء للاطلاع عليها.
فلا يصح أن يقول قائل انا تلميذه أو مريده وهو لم يشاهد ويتابع، ويقارن وينقد ويميّز.
وإني لأشهد لخلص تلامذتي، ومن صاحبوني لأكثر من عقدين من الزمان، ومن صحبوني فوق ذلك ودونه، ممن عرفني بحق، وحتى من تابعوا على بعد المسافة ولم تتح الفرصة للقاء، أو التقينا برهة من الزمن، أنهم أهل نهى، لا أهل هوى، وأصحاب بينة، راسخون كالجبال، لا يميلون إلا إلى الحق.
وهذا يغلق الباب في وجوه الناعقين، ويسد السبيل أمام من وافق ثم نافق، ثم انقلب على عقبيه، يحسب كل صيحة عليه.
ويسد المنافذ على الذين حقدت قلوبهم حسدا، واحترقت نفوسهم كمدا، فهم في جهالة لا يرعوون، وفي ضلالة لا يهتدون، قد عبروا بالشتيمة، عن الهزيمة، وبالاستهزاء، عن الخواء، وبفساد المقالة، عن مدى الضآلة.
ولست أقول لأحد أني نبي مرسل، أو منتظر مبجل، ولكني معلم بحق، وناطق بحق، وداع للحق من حضرة الحق.
القصائد شواهد، والدروس مشاهد، وغزارة العلم بينة، والموسوعية جلية، والبراهين ساطعة، والحجج واضحة، والأدلة ظاهرة، والبينة باهرة. وقد وجب الحديث بالنعم، لا تفاخر مغتر، بل اعتزاز سيد، وعز مسدد مؤيد.
فقم يا مريد واسلك معنا إلى مجمع البحرين، لعلنا نجد خضر قلوبنا، ونشهد جمال محبوبنا.
وسوف نجدد معكم مواعيد العلم والإبداع، نلتقي لنرتقي، ونستمر لننتصر.
وما نحن إلا قطرة من بحار الجليل، وشعاع نور من وجه البهي الجميل.
يا سعدنا بالله، ويا سعدنا برسول الله.