2 دقائق للقراءة
إِنَّ مُبْتَدَأَ بَلَاءِ ابْنِ آدَمَ مِنْ فَمِهِ وَبَطْنِهِ، لِأَنَّ امْتِحَانَ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ قَلْبَهُ الَّذِي حَسَدَ فَفَسَدَ كَمَا فِي امْتِحَانِ عَدُوِّهِ، بَلِ الْفَمُ الَّذِي أَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالْبَطْنُ الَّذِي احْتَوَى ذٰلِكَ، فَفَتَحَ بَابَ مَا دُونَهُ.
فَلَقَدْ أَرَادَ اللَّهُ لَهُ الِامْتِحَانَ، وَأَذِنَ لِلشَّيْطَانِ، مُوَسْوِسًا بِالْبُهْتَانِ، لِيَكُونَ الِاخْتِبَارُ، وَلِيَتِمَّ مَا سُطِّرَ فِي لَوْحِ الْأَقْدَارِ.
﴿وَقُلۡنَا یَـٰۤـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَیۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [البقرة: ٣٥]
﴿وَیَـٰۤـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ فَكُلَا مِنۡ حَیۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [الأعراف: ١٩]
﴿فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشَّیۡطَـٰنُ لِیُبۡدِیَ لَهُمَا مَا وُۥرِیَ عَنۡهُمَا مِن سَوۡءَ ٰ تِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنۡ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّاۤ أَن تَكُونَا مَلَكَیۡنِ أَوۡ تَكُونَا مِنَ ٱلۡخَـٰلِدِینَ﴾ [الأعراف: ٢٠]
فَلَمَّا أَنْ أَكَلَ آدَمُ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِ، جَذَبَ مَعَهُ زَوْجَهُ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ مِنْهُ، وَأَمَالَهَا إِلَيْهِ، كَمَا يَمِيلُ الظِّلُّ مَعَ غُصْنِهِ، وَالْفَرْعُ مَعَ أَصْلِهِ.
﴿فَأَكَلَا مِنۡهَا فَبَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَ ٰ تُهُمَا وَطَفِقَا یَخۡصِفَانِ عَلَیۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۚ وَعَصَىٰۤ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ﴾ [طه: ١٢١]
وَلِذٰلِكَ، احْرِصْ فِي طَعَامِكَ، وَقَلِّلْ مِنْ أَكْلِكَ، وَكُلْ مِمَّا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ، وَكُلْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، وَاعْمَلْ صَالِحًا، فَتِلْكَ وَصِيَّةُ اللَّهِ لِلنَّبِيِّينَ، وَهُدَاهُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَأَمْرُهُ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُوا۟ مِمَّا فِی ٱلۡأَرۡضِ حَلَـٰلࣰا طَیِّبࣰا وَلَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَ ٰتِ ٱلشَّیۡطَـٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوࣱّ مُّبِینٌ﴾ [البقرة: ١٦٨]
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُلُوا۟ مِن طَیِّبَـٰتِ مَا رَزَقۡنَـٰكُمۡ وَٱشۡكُرُوا۟ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِیَّاهُ تَعۡبُدُونَ﴾ [البقرة: ١٧٢]
﴿فَكُلُوا۟ مِمَّا ذُكِرَ ٱسۡمُ ٱللَّهِ عَلَیۡهِ إِن كُنتُم بِـَٔایَـٰتِهِۦ مُؤۡمِنِینَ﴾ [الأنعام: ١١٨]
وَمَنْ قَلَّ طَعَامُهُ، وَكَثُرَ صِيَامُهُ، سَكَنَ صَمْتُهُ، وَعَذُبَ كَلَامُهُ، وَلَانَ طَبْعُهُ، وَهَدَأَتْ نَفْسُهُ، وَتَعَافَى جِسْمُهُ، وَتَضَاعَفَتْ قُوَّتُهُ.
لِذٰلِكَ كَتَبَ اللَّهُ الصَّوْمَ، وَفَرَضَ الصِّيَامَ، فِيهِ خَيْرٌ وَنَفْعٌ وَبَرَكَةٌ وَسَلَامٌ.
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ١٨٣]
فَكَمَا أَنَّ امْتِحَانَ آدَمَ كَانَ فِي الْأَكْلِ مِنْ شَجَرَةٍ حَرَّمَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ، فَقَدْ كَانَتْ تَوْبَتُهُ فِي الِامْتِنَاعِ عَنْ طَعَامٍ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ، فَصَامَ، وَقَامَ، حَتَّى اسْتَقَامَ، فَتَلَقَّى الْكَلِمَاتِ، وَأُوتِيَ الْبَيِّنَاتِ.
﴿فَتَلَقَّىٰۤ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَـٰتࣲ فَتَابَ عَلَیۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ﴾ [البقرة: ٣٧]
وَمَا أَعْظَمَ قَوْلَ الْحَبِيبِ الْأَعْظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ:
“مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ، حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ”.
فَالْمِعْدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ، وَالْحِمْيَةُ رَأْسُ الدَّوَاءِ، كَمَا قَالَ طَبِيبُ الْعَرَبِ الْحَارِثُ بْنُ كَلَدَةَ، فِي كَلَامٍ حَكِيمٍ، نُسِبَ لِحِكْمَتِهِ لِلنَّبِيِّ الْكَرِيمِ.
مازن الشريف: كلماتٌ من فَيْضِ الرُّوحِ