2 دقائق للقراءة
هَا قَدْ أَشْرَقَ مَوْلِدُ سَيِّدِ الأَنَامِ، وَمِصْبَاحِ الظَّلَامِ، نَبِيِّنَا وَشَفِيعِنَا وَسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
إِنَّهُ حَدَثٌ مُفْرَدٌ لِمَقَامٍ مُفْرَدٍ، لَيْسَ فِي أَيَّامِ الْخَلْقِ نَظِيرٌ لَهُ، لِأَنَّهُ تَجَسُّمُ الرُّوحِ الأَحْمَدِيِّ الأَعْظَمِ فِي الْجَسَدِ الْمُحَمَّدِيِّ الأَطْهَرِ، وَوِلَادَةُ الذَّاتِ الْعُظْمَى الَّتِي بَارَكَهَا اللَّهُ وَقَدَّسَهَا وَطَهَّرَهَا وَزَكَّاهَا وَرَفَعَ شَأْنَهَا وَقَدْرَهَا وَشَرَحَ فَهْمَهَا وَصَدْرَهَا.
مَوْلِدُ رَسُولِ اللَّهِ عِيدٌ سَمَاوِيٌّ تَمَّ فِي رُكْنٍ أَرْضِيٍّ، فِي أُمِّ الْقُرَى، حَيْثُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ.
وَالْمَوْلِدُ عِيدٌ لِلأَرْضِ إِذْ نَالَهَا شَرَفُ احْتِوَاءِ مَنْ لَوْلَاهُ لَمَا كَانَتْ، إِذْ أَنَّ هَذَا الْوُجُودَ فِي حِكْمَتِهِ إِيجَادُهُ مُتَّصِلٌ بِمَنْ لَوْلَاهُ لاِنْتَفَتْ حِكْمَةُ الإِيجَادِ، فَأَهْلُ عَالَمِ الْفَنَاءِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ كَانَ تَاجُهُمْ وَمِعْرَاجُهُمْ سَيِّدَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ.
وَمَلَائِكَةُ الْقُدْسِ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ فِي مَقَامِ الأُنْسِ، وَكُلُّ رُوحٍ وَرُوحَانٍ، رَائِدُهُمْ وَقَائِدُهُمْ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ.
وَالأَنْبِيَاءُ أَجْمَعُونَ، وَالصَّفْوَةُ الْمُرْسَلُونَ، وَالأَوْلِيَاءُ الصَّالِحُونَ، وَالثُّلَّةُ الْمُجْتَبُونَ، وَالْقِلَّةُ الْمُنْتَجَبُونَ، قُطْبُهُمْ وَإِمَامُهُمْ وَحُجَّتُهُمْ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ.
وَمَا مِنْ شَهِيدٍ لِلَّهِ، أَوْ سَيِّدٍ مِنْ أَهْلِ اللَّهِ، أَوْ عَبْدٍ قَرِيبٍ مِنَ اللَّهِ، مِنَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْجَانِّ وَمَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ، إِلا وَوَاسِطَتُهُ إِلَى اللَّهِ، وَوَسِيلَتُهُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ.
وَمَا مِنْ كَائِنٍ خَلَقَهُ رَبُّنَا، وَمَخْلُوقٍ بَرَأَهُ إِلَهُنَا، إِلا وَمَقَامُهُ تَحْتَ مَقَامِ السَّيِّدِ الْهُمَامِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ.
وَمَا مِنْ وَاقِفٍ فِي الْحَشْرِ، وَشَاهِدٍ لِلنَّشْرِ، مِمَّنْ شَمِلَتْهُ عَيْنُ الْعِنَايَةِ، إِلا وَشَفِيعُهُ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ.
وَلَمَّا اخْتَارَ اللَّهُ حَبِيبَهُ فِي الأَرْوَاحِ، اخْتَارَ لَهُ أُصُولَهُ وَفُرُوعَهُ قَبْلَ قِيَامِ دَوْلَةِ الأَشْبَاحِ، فَكَمَا أَنَّهُ مُخْتَارٌ مُجْتَبًى، فَكَذَلِكَ الْوَالِدُ وَالأُمُّ، وَالْجَدُّ وَالْخَالُ وَالْعَمُّ، وَالزَّوْجَةُ وَالأَبْنَاءُ، وَالْوَصِيُّ وَالأَسْبَاطُ الأَئِمَّةُ، وَالذُّرِّيَّةُ الَّتِي انْتَقَلَ سِرُّهُ فِيهَا، وَكُلُّ صَالِحٍ مِنْ أُمَّتِهِ، وَشَاهِدٌ لَهُ بَيْنَ يَدَي رَبِّهِ.
إِنَّ نُورَ الْمَوْلِدِ نُورٌ عَظِيمٌ سَنِيٌّ، وَنُورٌ مِمَّنْ شَرَّفَهَا اللَّهُ أَنْ قَالَتْ لِسَيِّدِ خَلْقِهِ: يَا بُنَيَّ، وَنُورُ الَّذِي نَالَ شَرَفَ حَمْلِ الطُّهْرِ إِلَى مَوْطِنِ الطُّهْرِ، وَالِدُهُ الزَّكِيُّ، وَجَدُّهُ وَعَمُّهُ الَّذِي رَبَّاهُ وَكَفَلَهُ، وَسُلالَةٌ مِنَ الآبَاءِ قَالَ عَنْهَا: «مَا اخْتَارَ اللَّهُ بَيْنَ شُعْبَتَيْنِ إِلا كُنْتُ فِي أَفْضَلِهِمَا، أَنَا خِيَارٌ مِنْ خِيَارٍ مِنْ خِيَارٍ».
وَكُلُّ هَذَا مُتَّصِلٌ بِإِشْرَاقَةِ الْمَوْلِدِ.
فَيَا لَهُ مِنْ يَوْمٍ عَظِيمٍ، حِينَ تَنْجِبُ أَشْرَفُ أُمٍّ، مِنْ أَشْرَفِ أَبٍ، فِي أَشْرَفِ مَكَانٍ، أَشْرَفَ وَأَفْضَلَ مَوْلُودٍ.
وَيَا لَهُ مِنْ شَرَفٍ عَظِيمٍ، أَنْ يَصْطَفِينَا اللَّهُ بِسِرِّ الْمَحَبَّةِ وَالْوَلاءِ لِنَحْتَفِلَ بِمَوْلِدِ سَيِّدِ الأَنْبِيَاءِ.
إِنَّهُ فَرَحٌ أَمَرَنَا اللَّهُ بِهِ، إِذْ أَلْزَمَنَا الْفَرَحَ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يُونُس: ٥٨].
وَأَيُّ فَضْلٍ أَعْظَمُ، وَأَيُّ رَحْمَةٍ أَشْمَلُ، مِنْ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ.
نُعْلِنُ بَدْءَ احْتِفَالَاتِنَا الْقَلْبِيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ بِمَوْلِدِ سَيِّدِ الْخَلْقِ.
مَوْلِدُ الْحَبِيبِ عِيدُ الْعُشَّاقِ الرَّبَّانِيِّينَ.