كي لا تسقط الراية

2 دقائق للقراءة

لا يختلف عاقلان مهما كانت وجهات نظرهما متباينة للمسائل كلها، أن العالم العربي يعيش اليوم أتعس حالات تاريخه، وأخطر مراحل وجوده، مع ما يبدو على ملامح العالم ككل من إجهاد يهدد وجود البشر ومستقبل الكوكب بيئيا وكونيا وحربيّا، بين مخاطر الاحتباس الحراري الذي يُنذر بكوارث طبيعية غير مسبوقة في الألفيات الماضية، والظواهر الكونية الخطيرة التي تتضح كل يوم أكثر، وبلوغ صدام الحضارات مرحلة اللاعودة حيث تكون الحرب العالمية الثالثة حتمية بنسب عالية جدا.

كل هذا جلي، نضيف إليه انهيار المعنى الإنساني، وتردي الأخلاق إلى قيعان سحيقة باتت بها شتى المفاسد أمرا طبيعيا، والخواء الروحي، والتخمة المادية، وتأكسد العولمة وفسادها، وحرب الفيروسات التي انطلقت ولن تتوقف تلقائيا، وعبث شياطين البشر الذين يريدون تسديد ضرباتهم الأقوى في أواخر مراحل بروتوكلاتهم الجهنمية، وهم يعون أنهم في ختام وجودهم كذلك.

هذه المؤشرات لا تحتاج محللا عبقريا كي يقرأها، ولا مستشرفا ملهما كي يرى مآلاتها، فهي جلية لكل الناس، إلا من كان في غيبوبة الوهم.

ولكن حمل الرايات في الحروب ليس مسؤولية جماعية بل نخبوية، فقد يحملها واحد فقط ويقف رغم كل آلامه مدافعا للرمق الأخير، فإذا سقط لم يسمح للراية بالسقوط، ليتلقّفها مُجالد آخر بعده.

وهذه الحياة كلها حرب، حرب معنى ومبنى، حرب بين ضوء وظلام، خير وشر، عشاق حياة وناشرو موت.

لذلك فمقالي هذا رسالة خاصة إلى حملة الراية، إلى الذين يقفون رغم جراحهم النازفة، وأقدامهم المتعبة، وأجسادهم المجهدة، وقلوبهم المتألمة.

يقفون يواجهون بالصبر الوجع، وباليقين جبروت الظالمين، وبشعلة الإيمان ظلمات الوقت.

يقفون بعزم أرواحهم الذي لا يكلّ، ونبض قلوبهم الذي لا يمل، وثقتهم في بارئهم، وحبهم له، ودفاعهم عن الأرض والعرض  والوطن والدين والإنسان.

وهم يقولون لربهم بألسنة العارفين: “أنت المقصود إليه في كل حال، والمشار إليه بكل معنى”[1].

يجب أن يستمر هؤلاء الذين اختارتهم العناية في حمل تلك الراية، وينبغي أن يقوم كل بدوره من مجاله وجانبه.

إن كل حركة صمود تَهُم، كل كلمة حق تَهُم، كل دينار يتم إنفاقه للانتصار للحق يَهُم، كل وقفة مع مصلح والتفاف حول صالح يَهم.

يقيني أن الفجر قريب، ولكن ذلك لا يمنع من مقاتلة ذئاب الليل العاتية، إذ أن الذي يجلس منتظرا لن يرى ذلك الفجر القادم، وسيكون وليمة للذئاب، أو يُمسخ كما مُسخ الكثيرون بالوهم والكسل والعجز والخيانة.

أُشهد الله أني سأقف، وأعلم أن عيني ستعانق تلك الشمس، وأنما النصر صبر ساعة[2].

(الصورة مع رجال الله من أهل الرباط المحمدي بالعراق)

16-12-2020


[1] منسوبة لإبراهيم بن الأدهم.

[2] منسوبة لعنترة.