في فلسفة الفراغ

< 1 دقيقة للقراءة

أَشْعُرُ بِالفَرَاغِ.
لَيْسَ لِأَنَّ حَيَاتِي فَارِغَةٌ، بَلْ لِأَنَّ الحَيَاةَ “فَارِغَةٌ”.
مَا يَجْرِي وَمَا جَرَى مِنْ قَبْلُ، يُثْبِتُ أَنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا مَحْكُومَةٌ بِفَرَاغٍ رَهِيبٍ، يُجَسِّدُ عُمْقَ مَعْنَى الفَنَاءِ، وَجَوْهَرَ الاِمْتِحَانِ:
ظَالِمٌ يَعْلُو، وَعُلُوُّهُ فَارِغٌ.
وَحَضَارَاتٌ تَطْغَى، وَطُغْيَانُهَا فَارِغٌ.
وَغَنِيٌّ يَتَبَجَّحُ، وَتَبَجُّحُهُ فَارِغٌ.

فَهَذَا فِرْعَوْنُ، وَتِلْكَ عَادٌ، وَذَاكَ قَارُونُ.
كُلُّهَا نَمَاذِجُ لِلْفَرَاغِ المُمتَلِئِ عَجْرَفَةً وَغُرُورًا وَكِبْرًا، وَالَّذِي يَزُولُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ.

وَهَكَذَا فِي كُلِّ عَصْرٍ، وَفِي عَصْرِنَا خَاصَّةً: ظَالِمٌ يَطْغَى، حَضَارَةٌ تَبْغِي، وَمُتْرَفٌ يَسْتَكْبِرُ.
وَالْفَرَاغُ يُحِيطُ بِهِمْ وَيَلُفُّهُمْ، كَمَا يُحِيطُ الفَرَاغُ الكَوْنِيُّ بِالمَوْجُودَاتِ، وَالفَرَاغُ الكَمِّيُّ بِالجُزَيئَاتِ.

وَعَلَى ضِفَّةٍ أُخْرَى لِهَذَا المَعْنَى الوُجُودِيِّ لِلْحَيَاةِ الدُّنْيَا، نَجِدُ امْتِلَاءً مُدْهشًا، وَتَرَاصًّا مُذْهِلًا، وَكَيْنُونَةً تَامَّةً لا فَرَاغَ فِيهَا: الصَّبْرُ لَدَى البَلَاءِ، وَاليَقِينُ مَعَ البَلِيَّةِ، وَالثَّبَاتُ لَدَى الفِتَنِ.

وَهُنَا مَشَاهِدُ تَسْعَى بِنَا إِلَى كُلِّ مَنْ وَاجَهَ الظُّلْمَ، وَوَقَفَ فِي وَجْهِ الطُّغْيَانِ، وَأَرَادَ الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَاعَ، إِلَى كُلِّ نَبِيٍّ وَوَلِيٍّ وَصِدِّيقٍ وَشَهِيدٍ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنَ المُخْلِصِينَ.

لَكِنْ عَجْزُنَا اليَوْمَ عَنْ نُصْرَةِ إِخْوَةِ الدِّينِ وَالدَّمِ وَالإِنْسَانِيَّةِ، يَمْلَؤُنَا فَرَاغًا، وَإِنْ لَمْ نَكُ مِنَ الظَّالِمِينَ.
إِنَّهُ فَرَاغُ العَاجِزِينَ، الَّذِينَ يَجْأَرُونَ إِلَى رَبِّهِمْ: رَبَّنَا أَتِمَّ لَنَا وَعْدَكَ الَّذِي وَعَدْتَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ المُجْرِمِينَ.

مقالات ذات صلة

القارعة
كُنتُ أَجلِسُ عَلَى قَارِعَةِ طَرِيقٍ، يَمرُّ بِي النَّاسُ وَلَا يَرَونَنِي.مَرَّت غَيْمَةٌ غَيرَ بَعِيدٍ، قَالَت: مَا الَّذِي يُجلِسُ الرَّجُلَ عَلَى القَارِعَةِ؟قُلتُ: انْتِظَارُ القَارِعَةِ.قَالَت: أَوَقَرِيبٌ هِيَ؟!قُلتُ:...
< 1 دقيقة للقراءة
في النظر والمنظور
في كل مسألة نظر، وفي كل نظر منظور، وقد يختلف باختلاف الناظر، فمن نظر بالحكمة وجد أثرها، ومن نظر محبا أو منبهرا، كارها أو...
4 دقائق للقراءة
في فقه الاتباع
فيفقهالاتباع كيف نعرف من نتبع؟وكيف نميز الحق من الباطل، وندرك أننا نسير في الطريق الصحيح، ولسنا نتبع الهوى، أو نحسب الزيغ رشدا؟!هذه أسئلة طرحها...
3 دقائق للقراءة
صمت وكلام
حين تقرر الصمت، لكن قلبك يرفض أن يصمت.حديث القلب حديث قلق متوجس، مشحون بالعاطفة.أما حديث العقل فرصين، وفيه الكثير مما يمكن أن يترجم بلغة...
3 دقائق للقراءة
بين المادية العمياء والروحانية الجوفاء
من كتابي: تأملات وجودية بين المادية العمياء والروحانية الجوفاء ولقد اتفقت الانسانية بجميع حضاراتها، وعلى مدى تاريخها، واختلاف أديانها، أن الانسان روح وجسد، معنى...
3 دقائق للقراءة
في حكمة القبض والبسط
في حكمة القبض والبسط والفناء والبقاء ومما يثير الدهشة في الحياة، قدرتها على التلون والتبدّل والانتقال من حال إلى حال، وهي في ذلك تأخذ...
2 دقائق للقراءة
عز (من كتاب فن السعادة)
ما هو العز؟وما معنى “عزيز القوم”؟وماذا تعني الكلمة النبوية العظيمة: ارحموا عزيز قوم ذل. والعز لغة ضد الذل. العز سؤدد ومجد.ورجل عزيز هو رجل...
2 دقائق للقراءة
خيوط متشابكة
كلما ظننتَ أن الحرب انتهت، ستجد أنها تجددت بشكل لا تتوقعه. العالم البشري عالم صراع وحروب، تاريخه يشهد. وما رسمه التاريخ ليس سوى تطبيق...
< 1 دقيقة للقراءة
مستقبل الفلسفة…بين سموم الواقع…وسم سقراط
هل للفلسفة مستقبل في هذا العالم “الغثائي” الذي يمضي في نسق سريع نحو أقصى درجات ذكاء الآلة وأقصى درجات الغباء البشري، في تفاعل بينهما،...
2 دقائق للقراءة
عصا موسى: بين عين النقص وعين الكمال
كان موسى يعرف العصا، ولم يكن يعرفها. لقد صحبته عشر سنين يرعى الأغنام فيهش بها على غنمه، ولم يكن يدري سرّها. وكان يصحب نفسه...
4 دقائق للقراءة