عن القوة ووهم التطور

2 دقائق للقراءة

(من كتاب ورقات في علم الاجتماع)

حين خلق الله الإنسان واختاره خليفة له، منحه قدرات وقوى ومعارف.
وسواء قبل علماء الاجتماع الماديون بهذا أم لم يقبلوا، ومكثوا في نقطة الوهم يدعون أن المجتمع البشري ما هو إلا نتاج تطور أعمى لمجموعة من القردة ثم البدائيين، فإن الحقيقة الجلية الثابتة تحدثنا أن الإنسان مخلوق بإبداع خالق بديع، وأن البشرية من سلالة آدم الأول صاحب المعارف والعلوم والقدرات، كائن فضائي مخلوق من مادة أرضية، ينزل بقدر إلهي حاملا تلك العلوم والقوى التي يورثها لأولاده وأحفاده مع اختلافات في مستوى الوراثة، واختلاف في مآلات الاستخدام.
وأن المجتمعات البشرية بدأت أقوى، بأفراد أكبر حجما، وأطول عمرا، وأشد قوة، وأكثر علما.
ثم كان الانحدار بضربات سماوية دقيقة ساحقة.
وما البدائيون إلا سلالة بشر عوقبوا بفقدان الذاكرة والقدرات، أو كانوا بقايا حضارات مندثرة.
فشعوب الانكا البدائية أخبرت المستكشفين الاسبان والبرتغاليين عن حضارة عظيمة سابقة تركت مباني على غاية التعقيد، وكتبا معقدة بلغة لم يعد أحفادهم يعلمون عنها شيئا.
والأهرامات وزاقورات بابل وغيرها شواهد على عظمة حضارات قريبة العهد، فما بالك بتلك التي كانت أعظم وأقوى، وأقرب عهدا بآدم.
إن النظر الاجتماعي والتاريخي والانتربولوجي المادي، زيف الحقائق، وطمس آلاف الأدلة التي اعتبرها شاذة، لأنها تدحض مزاعمهم، وتثبت تفوق البشري الأقدم حضارة وعلما وقوة، ووجود مجتمعات بلغت قمة التطور والازدهار، ثم انهارت بضربات القوي القدير.
كحضارات عاد وثمود والحضارة الشيثية (حضارة ما قبل الطوفان بين شيث ونوح) والنوحية (حضارة ما بعد الطوفان)، كلها أهلكها الله لما خبثت وطغت واغترت بالقوة والتطور والرفاه: وَأَن‍َّ‍هُۥۤ أَهۡلَكَ عَادًا ٱلۡأُولَىٰ ۝٥٠ وَثَمُودَا۟ فَم‍َ‍اۤ أَب‍ۡ‍قَىٰ ۝٥١ وَقَوۡمَ نُوحࣲ م‍ِّ‍ن ق‍َ‍ب‍ۡ‍لُۖ إِن‍َّ‍هُمۡ كَانُوا۟ هُمۡ أَظۡلَمَ وَأَط‍ۡ‍غَىٰ ۝٥٢ وَٱلۡمُؤۡتَفِكَةَ أَهۡوَىٰ ۝٥٣ فَغَشَّىٰهَا مَا غَشَّىٰ ۝٥٤ (النجم).
وحين نتتبع الوصف القرآني للمجتمعات البشرية الأولى، وللمجتمعات القبل آدمية، فسنجد ملامح عن قوة وقدرة أعظم مما نرى اليوم، وعن بشر أقوى وأطول عمرا وأكبر حجما، سواء تعلق الامر بالبشري الادمي أو من سبقوه في الوجود قبل خلق آدم، كقوله سبحانه: ﴿وَكَذَّبَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَمَا بَلَغُوا۟ مِعۡشَارَ مَاۤ ءَاتَیۡنَـٰهُمۡ فَكَذَّبُوا۟ رُسُلِیۖ فَكَیۡفَ كَانَ نَكِیرِ﴾ [سبأ ٤٥]
وعدم بلوغ المعشار عام في كل المعطيات الاجتماعية والحضارية والذاتية.
وكذا قوله:﴿أَوَلَمۡ یَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوۤا۟ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةࣰ وَأَثَارُوا۟ ٱلۡأَرۡضَ وَعَمَرُوهَاۤ أَكۡثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِۖ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیَظۡلِمَهُمۡ وَلَـٰكِن كَانُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ﴾ [الروم ٩]
بهذه الرؤية يجب مراجعة المعطيات الحضارية والاجتماعية، حتى نحرر هذه العلوم من سيطرة المادية العمياء، برواياتها الهزيلة التي تزعم أن قردا قرر أن يتحول إلى بشري، وتلوث عقول الناشئة بروايتها عن حيوان قرر أن يكون عاقلا، وعن بدائي اكتشف النار ذات مصادفة، وعن حضارة واحدة ولدت البارحة هي أعظم ما بلغت البشرية، وما ذلك إلا غرور واقع في بركة من الوهم.