سمو الشاعر

< 1 دقيقة للقراءة

إِلَى الَّذِينَ لَمْ يُعْجِبْهُمْ أَنْ أَكُونَ شَيْخًا، وَلَمْ يُقْنِعْهُمْ أَنْ أَكُونَ مُفَكِّرًا، وَلَمْ يَرُقْ لَهُمْ أَنْ أَكُونَ مُعَلِّمًا.

ها قَدْ أَتَيْتُكُمْ بِأَعْظَمِ مُحَارِبٍ لَدَيَّ، وَأَقْوَى مُصَارِعٍ عِنْدِي.
بِرَفِيقِ طُفُولَتِي، وَصَدِيقِ صِبَايَ، وَصَاحِبِ شَبَابِي، وَمُؤْنِسِ غُرْبَتِي.

الَّذِي وَثَّقَ مِنْ حَيَاتِي أَيَّامًا، وَمِنْ أَوْجَاعِي آلَامًا.

سَمُوَّ الشَّاعِرِ، قَدَّسَ اللهُ سِرَّهُ.

فالشَّاعِرُ عِندِي كَائِنٌ قَدِيمٌ، وَرُوحٌ عَظِيمٌ، يُلْقِي فِي رَوْعِي، وَيَسْكُنُ مِنْ لَوْعِي، وَيَلَذُّ فِي بَوْحِي، وَيُعَذِّبُ فِي نَوْحِي، قَدْ شَفَّ فِي رُوحِي، وَأَشْرَقَ فِي طُمُوحِي.
وَلَيْسَتِ العُرُوبَةُ دُونَ الشِّعْرِ عُرُوبَةً، وَلَا العُذُوبَةُ دُونَ مَنْهَلِهِ عُذُوبَةً.
فَهُوَ نَبِيءُ العَرَبِ قَبْلَ ظُهُورِ نَبِيِّهِمْ، وَوَلِيُّهُم بِالقَرِيضِ، يَقْدُمُ قَبْلَ وَلِيِّهِمْ.
وَهُوَ الإِنسَانُ فِي شَتْنِ لُغَاتِهِ، وَشَأْنِ حَيَاتِهِ، وَمُرْهَفِ حِسِّهِ، وَلَوَاعِجِ نَفْسِهِ.

والشِّعرُ، أَعَزَّهُ اللهُ، دِيوانُ العَرَبِ، ومَبْلَغُ الأَرَبِ، ومَجْمَعُ الأَدَبِ.
تُرْجُمانُ القُلوبِ، ونَفْحَةُ الغُيوبِ.
رَوْعَةُ النَّظْمِ، ومَتانَةُ السَّبْكِ، وسَلاسَةُ اللَّفْظِ، وغَلَبَةُ الطَّبْعِ، وإتْقانُ الصَّنْعِ، وشَساعَةُ الحِفْظِ، ودِقَّةُ اللَّحْظِ، وسَلاسَةُ الشُّعورِ، وانْسِيابُ المَعْنَى، وقُوَّةُ المَبْنَى، وجَوْدَةُ المُحْتَوَى، ورِفْعَةُ الذَّوْقِ، ولَوْعَةُ الشَّوْقِ.

ولَقَدْ نَظَمْتُهُ صَغيرًا، بَعْدَ أَنْ حَفِظْتُ مِنْ رَوائِعِهِ نَصيبًا، مَدْحًا وفَخْرًا ونَسِيبًا، مِنْ أَوائِلِ أَمْرِهِ، ونَوائِلِ خَمْرِهِ، وعَذْبِ كَلِمِهِ، وشَجِيِّ حَرْفِهِ، ولَذِيذِ جَنَاهُ.

ولَقَدْ أَنْشَدْتُ مِنَ القَصائِدِ آلَافًا، أَتْحَفَنِي الرُّوحُ بِهَا إتْحافًا،
فَعَلَيَّ مُعانَاتُهُ، وعَلَيْهِ مَعُونَتُهُ، فَهُوَ مَعِينُهُ، ووَجَعِي مُعِينُهُ.

وها أَنا الَّذِي بَدَأْتُ نَظْمَهُ وَما جاوَزْتُ العَشْرَ سِنِينَ،
أُفِيضُ بِهِ وَقَدْ قارَبْتُ الخَمْسِينَ، عارِفًا بِسُبُلِهِ، خَبِيرًا بِطُرُقِهِ، عَلِيمًا بِمَدارِسِهِ.

وقدْ ساقَ اللهُ إِلَيْنا مِمّا أَعانَنا عَلَى إظْهارِ رَوْعَتِهِ، وإبْداءِ لَوْعَتِهِ، وتَجْلِيَةِ جَمالِهِ، وتَحْلِيَةِ مَقالِهِ،
صُورَةً ولَحْنًا، وشَدْوًا ونَغَمًا.

فَدُونَكُم هذِهِ الخَرائِدَ، وإلَيْكُم نَفْحَةَ القَصائِدِ، كَالحُورِ فِي القَلائِدِ، والغِيدِ عَلَى الوَسائِدِ.

فَمَنْ جَحَدَ بِهذَا فَجُحودُهُ عَلَيْهِ، ومَنْ عانَدَ فَعِنادُهُ راجِعٌ إِلَيْهِ.
ونَحْنُ نُبَدِّلُ الأَنْساقَ، ولا تَبْديلَ لِلمَساقِ.

مقالات ذات صلة

كالصقر
أَنْ تَعِيشَ كَالصَّقْرِ، تَسْكُنَ القِمَمَ، وَتَشْحَذَ الهِمَمَ، وَتَضْرِبَ بِجَنَاحِكَ عَالِيًا، وَتَكُونَ لِلْحَقِّ مُوَالِيًا، تَصْبِرَ، تُثَابِرَ، وَتَسْتَمِرَّ، وَتُحَافِظَ عَلَى رُقِيِّكَ رَغْمَ دَنَاءَةِ عَدُوِّكَ، وَعَلَى نُبْلِكَ...
< 1 دقيقة للقراءة
عن الحب
الحُبُّ أَعْلاهُ حُبُّ الرُّوحِ، وأَوْسَطُهُ مَيْلُ النَّفْسِ، وأَدْناهُ رَغْبَةُ الجَسَدِ.فَإِنْ بَدَأَ مِنْ أَعْلاهُ، أمالَ النَّفْسَ إِلَيْهِ، ودلَّ الجَسَدَ عَلَيْهِ.وَإِنْ بَدَأَ مِنْ أَوْسَطِهِ شَوَّقَ النَّفْسَ...
< 1 دقيقة للقراءة
إشراقة أمل
كل إشراقة شمس جديدة، فرصة تجددها الحياة، ويمنحها باريها، لمن يسعى فيها.كل إشراقة تمنح أملا، وتطلب عملا، وتريد كدحا وكدا، وتنادي مع المنادي ﴿یَـٰۤأَیُّهَا...
< 1 دقيقة للقراءة
تحليل نقدي لمعارضة شعرية
عمل نقدي عن طريق الذكاء الاصطناعي لقصيدة من قصائدي كتبتها ضمن معارضة لمعلقة عمرو بن كلثوم الشهيرة، والتي مطلعها:أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَاوَلاَ تُبْقِي خُمُوْرَ...
8 دقائق للقراءة
ظل اللوز
شجرة اللوز هذه: ابنتي.لقد غرستها بيدي، سقيتها، واعتنيت بها، حتى سمقت، ونمت، وأينعت، فعانقتني بظلها، وأطعمتني من ثمارها.وفي الأرض ما في الأرض من خير،...
< 1 دقيقة للقراءة
طفل وصورة
كان طفلا في مدرسة لها قسمان، سورها من شجر عال متكاثف له شوك أبيض طويل. يلبس صندلا من البلاستك ذي النتوءات التي كثيرا ما...
4 دقائق للقراءة
صوت لا يخبو ونبض لا يموت
وتبقى الكلمة…موقفا وروحا ونبضا لا يموت.كثيرا ما يُظلم الشعراء، وكثيرا ما تجد القصائد الجميلة نفسها سجينة في زمن يطغى فيه الابتذال وتسيطر عليه الرداءة.وكثيرا...
< 1 دقيقة للقراءة
لقاء مع العملاق
لقاء جديد مع العملاق، صديقي الفنان الكبير لطفي بوشناق، مناضل بالفن، مناصر للقضية، موغل في حب الوطن، وفي العروبة، وفي حب فلسطين.فنان من زمن...
< 1 دقيقة للقراءة
زيتونة
اجلس تحت شجرة زيتون اتنسم نسائمها البارده واتنعم بظلها الوارف واستمع لحفيف الريح على اغصانها يعلو كانه العاصفه ثم يخفت حتى لا يكاد يسمع...
< 1 دقيقة للقراءة
رسالة إلى الذين يعرفون أنفسهم
واجهت في حياتي أعداء كثرا.واجهتهم يافعا موهوبا، فكرهوه حسدا.وشابا قويا طموحا، فازدادوا كمدا.وأواجههم اليوم وقد بلغتُ أشدِّي، فلم يفز منهم أحد علي أبدا.صحيح أن...
2 دقائق للقراءة