حيرة في حيرة

3 دقائق للقراءة

شاهدت بحيرة حيرة فتاة تنكر إحياء الموتى والبعث يوم القيامة، في برنامج من برامج الإعلام التونسي.
وبكل براءة أجابها شيخ بهي الطلعة.
ومضى الأمر بسلام.
ما أريد قوله لا يتعلق باتباع نظرية المؤامرة، بل بحقائق لي عليها مؤيدات كثيرة، تتمثل في لعبة تروم زرع الإلحاد والشذوذ والتفاهة في المجتمع، بتصدر الملاحدة أو أشباه الملاحدة، والشواذ أو أشباه الشواذ، والتافهين أو أشباه التافهين، للمشهد الإعلامي.
وهذا لا يغذي إلا الأمراض الاجتماعية، في مجتمع بلغ من المرض مبلغا لم يُسبق إليه، وتمظهر ذلك في كم ونوعية وفظاعة الجرائم فيه، وفي الانتشار الرهيب لأنواع من المخدرات الفتاكة، والتي تسبب اجتراح أبشع الجرائم كاغتصاب العجائز، دون وعي ولا ضمير، وكمشهد رجل سكر بلحم ابنة أخته مع صاحب سوء له ناوله حبة مخدر، ولم يشعر بشيء ولم يتذكر إلا بعد فترة أمام نظرات شقيقته الملتاعة، وفق ما ذكر لي أحد قضاة البلاد المختصين في جرائم القتل، والتي تزداد بوتيرة رهيبة، أو كالذي ذبح شقيقتيه وأمه، وكان ندمه الوحيد حين تم القبض عليه وهو يتكلم بهدوء، أنه لم يجد والده، كما ذكر لي أحد المحققين معه. وغير هذا كثير. إضافة إلى أكبر حالة فرار جماعي في تاريخ البلاد، عبر البر والبحر، وموتى بالمئات، غرقا في مشاهد مرعبة يغرق فيها الأب وزوجته وأطفاله، والأم وابنها، والأشقاء مع بعضهم وعيونهم تنظر إلى هلع أحبتهم.
كل هذا لن يحرك لضمير الوطن الغائب ساكنا، ليستمر الإعلام في بث التفاهة والرداءة إلا ما رحم ربي وكم نادر هو.
حالات الطلاق بلغت مستوى الصدارة العالمية، وكذلك حوادث الطرقات إذ يلقى الآلاف مصرعهم، وشرب الخمر حيث يتجاوز الاستهلاك الستة عشر مليون لتر كل عام.
ناهيك عن الجلطات، خاصة بعد كورونا ولقاحاتها، وعن السكري وتلف الأعصاب، حيث تتصدر تونس في كل هذا المراتب الأولى عالميا فإن لم تكن الأولى فهي الثانية أو الثالثة.
وليس التطرف والإرهاب، الذي كان الشباب التونسي صاحب الطليعة فيه عالميا بالأرقام وفق مصادر مخابراتية كثيرة من بينها المخابرات البريطانية في تقريرها لسنة 2013، ليس ذلك سوى مظهر من مظاهر المرض المجتمعي، وردة فعل على نشر الرذائل وخنق الروح الدينية وانتشار ثقافة الفراغ التي حاول بعضهم ملأها ولو بثقافة الموت.
ومع الأزمة الاقتصادية العالمية القادمة، والانهيار الاقتصادي المؤكد لعدد كبير من الدول، ووجود تونس في خط متقدم جدا من خطوط الأزمة، دون وعي ولا قدرة على إدارتها، حيث تختفي المواد الغذائية فجأة، ويتوقف شريان الوقود فجأة، وتتصدع البنية التحتية للاقتصاد، مع فقدان القدرة على استشراف الواقع العالمي الكارثي الذي سيجثم على المعمورة كلها بداية من العام القادم وفق معطيات الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي والتقارير المخابراتية وتقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة للعامين 2021 و2022 الذي حمل عنوان: “زمن بلا يقين، حياة بلا استقرار”، وهو ذات ما دونته في دراساتي الاستشرافية منذ سنة 2008.
كما أن الحرب العالمية الثالثة والحرب النووية لم تعد مجرد سيناريو يثير السخرية بل صارت واقعا ينتظر التمظهر في ظل التصريحات العلنية لقادة العالم بذلك، والمناورات النووية الأخيرة لحلف شمال الأطلسي.
كل هذا لا يعني للاعبين بالعقول شيئا، ما يهم أن نتكلم في كل العبثيات، وأن ندمر ما بقي من أخلاق ومن ضمير، ولا ضير أن نشكك في يوم القيامة فاتحين الباب لشتى أنواع الإلحاد العدمي تحت مظلة حرية التعبير.
ولا شك أن ذلك ليس سوى قطرة، ولكن فيضان الكأس وشيك، وحساب القطرات واجب على كل عاقل.
ولا أنسى ذكر الأنبياء الدجالين القادمين من عمق أفريقيا التي نحبها ونحب أهلها، ولكننا نعلم يقينا بوجود مؤامرة فعلية باستخدام تلك الألوف، ونشر السحر الأسود والشعوذة عبر مشعوذين وسحرة يدعون أنهم أنبياء وينشئون الكنائس سرا كما كشف تقرير شجاع لبرنامج الحقائق الأربعة.
إن الإعلام سلاح مهم، للوعي أو لهدم الوعي.
ونرجو أن يساهم في إخراج المجتمع من أزماته، والتنبيه للمخاطر القادمة، عوض أن يكون معولا للهدم القيمي وحقنة للتخدير العقلي.
ولنا عودة لبعض ما ألمحنا إليه هنا من حال العالم ومآلاته القادمة، ومن حال البلاد وما ينتظرها عما قريب.

سوسة 14 أكتوبر 2022