4 دقائق للقراءة
عندما تتواجه الفطرة السليمة، مع الفكرة العقيمة.
الصديق حسن بن عثمان تحركه المحبة لرسول الله بفطرة سليمة تميز الشعب التونسي المحب لنبي الرحمة، ويرفض أن يكون رسول الله تعرض للسحر..
أما الشيخ المحجوبي، فيكرر فكرة عقيمة تم دسها ببراعة في السيرة وكتب الحديث، بإخراج كبير ومكر شديد، تتمثل في كون حضرة المصطفى تعرض للسحر، مدة ستة أشهر، كما في البخاري ومسلم، حتى كان يظن أنه يأتي الشيء ولا يأتيه، بل يهيأ له أنه يأتي زوجاته ولا يأتيهن، وثقل عليه ذلك، بفعل ساحر يهودي اسمه لبيد بن الأعصم، حيث قام بسحره بعقد عقد في مشط، حتى نزلت عليه سورة الفلق وسورة الناس لفك السحر، حيث أرسل النبي بعض الصحابة لاستخراج هذه الأشياء من بئر مهجورة وإتلافها، وفي رواية أخرى نزل ملكان واحد عند رأسه والثاني عند قدميه، فعالجاه بالمعوذتين.
ولأن هذه الرواية تسربت كعدد كبير من الاسرائيليات والمكذوبات إلى كتب الحديث، اعتقد من صدقوا بها أنها حق..
ولأني درست موضوع السحر لسنوات طويلة، كمدونة وكتب، واطلعت على شمس المعارف الكبرى للبوني وكتاب ابن الحاج الكبير وكتب كان ينشرها المدعو عبد الفتاح السيد الطوخي او ينشرونها باسمه فيها طلاسم وأسحار بعضها شعوذة فارغة وبعضها فيه ما فيه.
وكذلك ما ذكره ابن خلدون في المقدمة عن السحر، وابن البيطار في الجامع لمفردات الأدوية والتغذية، والبيهقي في دلائل النبوة والرازي في مفاتيح الغيب.
ورأيت في رحلاتي عبر العالم عددا من كبار السحرة وفهمت مدارسهم وأساليبهم، من السحر الأسود إلى سحر الكابالا وسواها.
كما قرات بعضا من أهم الكتب التي تكلمت عن تاريخ السحر، وعن علاقته باليهود، أو اطلعت على ملخصات منها، قبل تأليف كتابي السر الحرام عن افة السحر.
مثل:
دراسة حديثة واسعة عن تاريخ السحر في الحضارات المختلفة، تربط بين السحر والدين والعلم.
من أشهر كتب التراث الباطني الغربي، تناول فيه ليفي السحر اليهودي والكابالا وتأثيرهما في أوروبا.
أدق الكتب الأكاديمية عن السحر في التراث اليهودي في العصور الوسطى، وتحليل المعتقدات الشعبية والطقوس.
من أوائل الدراسات العلمية حول الكابالا، ويشرح تطورها وعلاقتها بالفكر اليهودي الباطني.
نص مؤسس للكابالا، مع شروح أكاديمية تظهر توظيفه في السحر اليهودي والرموز الحرفية.
كتاب باطني يتضمن وصف طقوس سحرية منسوبة لليهود، أثّر لاحقاً في مدارس السحر الغربية.
بحث أكاديمي يتناول الروابط بين التصوف والطقوس السحرية في آسيا الصغرى وتأثيراتها المتقاطعة.
مرجع أكاديمي ضخم يشرح تاريخ السحر في الغرب وكيف تسربت الأساطير إلى الديانات والكتب التراثية.
كتاب مبسّط لكنه موثوق، يشرح الكابالا بشكل علمي ويعرض التطورات الرئيسية وتأثيرها على السحر.
كما أن معرفتي بالعلوم الروحانية وعلوم الطاقة الحيوية ومدارسها معرفة كبيرة واسعة، وثمة أمور أخرى تخص علاج حالات كثيرة ومعقدة تتعلق بهذه المسائل، جعلت أدرك بعمق أسرار وخواص هذه الآفة، وكيفية تأثيرها في الإنسان.
ثم ما كتبته عن علم الجن، وعن الأبعاد والعوالم وطرق النفاذ بينها، كما هو مدون في موسوعتي “البرهان”، وكما شرحت في الدروس البرهانية، ودورة السر الحرام، ودورة الطاقة الحيوية.
كل هذا يجعلني أقول بكل ثقة ويقين: من المحال سحر رسول الله، ولم يتم سحره أبدا.
وسأخصص درس يوم غد لشرح هذا بالتفصيل.
ولكن اكتفي بهذه النقاط:
أولا: يقول الحق سبحانه وتعالى:﴿نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا یَسۡتَمِعُونَ بِهِۦۤ إِذۡ یَسۡتَمِعُونَ إِلَیۡكَ وَإِذۡ هُمۡ نَجۡوَىٰۤ إِذۡ یَقُولُ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلࣰا مَّسۡحُورًا﴾ [الإسراء ٤٧]
﴿أَوۡ یُلۡقَىٰۤ إِلَیۡهِ كَنزٌ أَوۡ تَكُونُ لَهُۥ جَنَّةࣱ یَأۡكُلُ مِنۡهَاۚ وَقَالَ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلࣰا مَّسۡحُورًا﴾ [الفرقان ٨]
وفي الآيتين تبيان أن من قال أن النبي رجل مسحور هم الظالمون.
وهو نفي قرآني مطلق وفق السياق، والإطلاق يفيد الامتداد زمنا أي طيلة حياته صلى الله عليه وسلم، وإلا يتم تكذيب القرآن ويصدق أهل البهتان.
ثانيا: سحر النبي موسى كان تخييلا وليس سحرا فعليا. لحكمة الله في إظهار المعجزة.
بمعنى أن اللعبة التخييلية انطلت عليه للحظات، ليرى ما فعل السحرة كما رأى ذلك من حضروا معه، وليتم الله أمره. ولم يكن ذلك لسيطرة السحر عليه ودخول الجن والشيطان في جسمه فذلك يجعل كلام فرعون في حقه صحيحا وهو أمر محال:
﴿وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا مُوسَىٰ تِسۡعَ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰتࣲۖ فَسۡـَٔلۡ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ إِذۡ جَاۤءَهُمۡ فَقَالَ لَهُۥ فِرۡعَوۡنُ إِنِّی لَأَظُنُّكَ یَـٰمُوسَىٰ مَسۡحُورࣰا﴾ [الإسراء ١٠١]
فهو لم يُسحر، إنما خُيّل إليه من أثر السحر في لحظات معدودات ليطلع على ما فعل سحرة فرعون: ﴿قَالَ بَلۡ أَلۡقُوا۟ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمۡ وَعِصِیُّهُمۡ یُخَیَّلُ إِلَیۡهِ مِن سِحۡرِهِمۡ أَنَّهَا تَسۡعَىٰ﴾ [طه ٦٦]
وهو سحر تخييلي فيه شيء من خفة اليد ومن الخداع البصري، وليس سحرا على وجه الحقيقة كالذي كانت تتلوه الشياطين على ملك سليمان (السحر الاسود) أو ما نزل على الشقيقين ولدا طالوت: هاروت وماروت. وهو السحر الاحمر.
وبخلاف هذا المشهد السريع الذي تم لحكمة، لم يُسحر موسى ولا سُحر نبي قط، سيما سيدهم جميعا.
ثالثا: رسول الله في كل أحواله هو رسول الله، ممتزج بسر النبوة دون فصل أو تفريق، والادعاء أنه سُحر فكان يظن أنه يأتي الشيء ولا يأتيه، يبطل معنى قوله سبحانه: ﴿وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ ١ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمۡ وَمَا غَوَىٰ ٢وَمَا یَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰۤ ٣ إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡیࣱ یُوحَىٰ ٤ عَلَّمَهُۥ شَدِیدُ ٱلۡقُوَىٰ ٥ ذُو مِرَّةࣲ فَٱسۡتَوَىٰ ٦ وَهُوَ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡأَعۡلَىٰ ٧﴾ [النجم ١-٧]
فالسحر يعني أنه سيهذي ويقول أنه فعل أمورا لم يفعلها.
والسحر يعني أنه سينطق عن هوى ويتحرك عن هوى ويفعل فعل من ضل وغوى والله يقسم أنه قط ما غوى أو ضل.
والسحر يعني أن جنا أو شيطانا غلب علمه ومعلمه شديد القوى ذو المرة الذي استوى..
والسحر يعني أنه تم اختراق هالته الروحية وهي أعظم هالة لمخلوق وروحه أقوى روح خلقها الله، والسيطرة على عقله العظيم المحفوظ، وتخديره ستة أشهر وبث مشاهد يعيشها بإحساسه في أمور على غاية الحساسية في حين أنها مجرد هلوسات سحر!!
هل عاقل يظن هذا بسيد الخلق.
وللكلام بقية قريبا….