2 دقائق للقراءة
تشعرني العودة المدرسية دائما بالابتهاج.
عندما كنت طفلا، كان هذا اليوم عرسا حقيقيا.
الملابس الجديدة، على بساطتها، وحلاقة الشعر، والاستيقاظ باكرا، والذهاب الى المدرسة حيث خلية النحل التي لا تهدأ ولا تتوقف، وجوه التلاميذ والمعلمين، وملامح سيدي المدير الصارمة، ويوم جميل من أيام الثمانينات، حيث كل شيء بسيط، فقير، ورائع.
هنالك في ذلك الريف الحالم الهادئ، الذي ينتشر فيه شجر الزيتون، وتترامى أكواخ الطين وبعض بيوت من حجر.
ومع أسوار المدرسة التي كان معظمها من شجر له شوك أبيض طويل (الطلح أو السنط)، وفي القسم البارد وعلى الطاولة الخشبية القديمة، كنت أجد العالم كله، وأردد بعد حين: هذا أبي مبروك، صباح الخير يا أبي، صباح الخير يا ولدي.
أبتسم لتلك الأيام، التي لن تعود، وللمدرسة التي بقيت ولكن أسوار الشجر الشوكي زالت ولن تعود، وبقي الطفل في داخلي، وكتاب القراءة ذاك مضى في طي الذاكرة، ورغم بساطته فقد كان اللبنة الأولى لكاتب وشاعر وعالم، ولجيل كامل بعضه صار له شأن في العلم أو العمل، وبعضه صار له شأن مع الحياة.
اليوم يرجع أطفالي إلى مدرسة لا تشبه مدرستي في شيء، ولكني أرجو التوفيق من كل قلبي لكل أبناءنا في المدارس والمعاهد والجامعات.
التعليم عمود من أعمدة الدولة، وليس خفيا أن هنالك من تعمد ضرب جودته في بلادنا لسنوات، وسعى لتقزيم المعلم والأستاذ، تعليميا ومجتمعيا.
والأهم من ذلك تحويل دوره من مربي إلى مجرد ناقل معلومة لا تصل كاملة.
ورغم ذلك تحية لكل المعلمين والأساتذة والمربين، الذين يعملون بضمير ويسبحون عكس التيار، في زمن ينازعهم فيه مغني راب رديء الصوت فاسد الكلام، وتيكتوكر مشهور، به كل غر مبهور، ينشر السخف والعدمية، وتاجر مخدرات خبيث، وبائع حبوب مدمرة تستشري بشكل مرعب، ومفسد أخلاق متمكن، ومجتمع تنخره كل أنواع المفاسد، وإعلام فيه ما فيه مما يفسد ويتلف، ومسلسلات ركزت على تشويه صورة المعاهد وتحويلها إلى بيوت دعارة ووكر للمخدرات، وحتى إن وجد شيء من ذلك في الواقع فتلك المسلسلات الخبيثة تسعى لتوسيع رقعة الفساد وتدمير جيل بأسره.
ورغم كل ذلك، فالعودة المدرسية عيد، والرهان على التعليم رهان مهم لأنه قاعدة البناء ومعيار المستقبل، مع تطويره ليتماشى مع زمن الذكاء الاصطناعي الذي يشكل بدوره تهديدا للمعلم والتلميذ، وتحريره من تجار الدروس الخصوصية على حساب المناهج الرسمية للتدريس، ومن كل من يسعى لتقويضه.
ثم الحفاظ على ثمار التعليم، فمن المحزن أن الآلاف من نوابغ البلاد، خاصة الأطباء والمهندسين، يضطرون للهجرة لتستفيد منهم دول أخرى، وتبقى بلادهم تنزف الكفاءات والعقول.