الحرب الأهلية وكابوس العم سام

4 دقائق للقراءة

سنة 1861 تسبب جشع الجنوبيين (وكانوا من الديمقراطيين) ورفضهم لتحرير العبيد الذي سيكلفهم خسائر مادية كبيرة، وفرض الضرائب، مع الشعور بالحيف بسبب تطور الولايات الشمالية إداريا واقتصاديا وبنيويا مقابل تخلف ولايات الجنوب الزراعية أساسا، في اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية لمدة أربعة سنوات. وأعلنت خلالها إحدى عشر ولاية جنوبية انفصالها (كارولينا الجنوبية ، ميسيسيبي ، فلوريدا ، ألاباما، جورجيا ، لويزيانا ، تكساس ، فرجينيا ، أركنساس ، تينيسي ، كارولينا الشمالية).

وكان ا أبراهام نيلكولن (من الحزب الجمهوري) الذي انتخب سنة  1860 الرئيس السادس عشر وعد بإلغاء العبودية. فكانت الحرب، ثم تم اغتياله سنة 1865 بطلقات نارية من المتعصب جون ويلكس بوث. لكن لينكولن نجح رغم ذلك في إعادة الولايات التي انفصلت بقوة السلاح، بعد حرب دامت أربعة أعوام، وقال كلمة لها معان خطيرة: لن تدمر أمريكا من الخارج أبدًا. ولكننا إذا ارتبكنا وفقدنا حرياتنا، فسيكون هذا لأننا دمرنا أنفسنا بأيدينا”.

واليوم يعتبر الرئيس دونالد ترامب بوابة لحرب أهلية ثانية قد تكون أشد ضراوة من الأولى، ويجد القارئ والباحث عددا كبيرا من المقالات عن هذه الحرب ويلاحظ تزايد أعدادها منذ سنة 2017، لكن اليوم فالأمر أشبه بعاصفة من التصريحات والمخاوف الجادة جدا، بل صرح ترامب نفسه وكذلك الكثير من الولاة الديمقراطيين عبروا عن مخاوفهم من حرب أهلية تتحرك بسرعة داخل المدن.

لقد مثّل اكتشاف خلية كانت تعتزم اختطاف عدد من الولاة الديمقراطيين صدمة عميقة للرأي العام الأمريكي، خاصة الخلايا التابعة لمجموعات نازية ويمينية متطرفة مثل بوغالو و”وولفرين”.

وقد تم الكشف عن خلية استهدفت حاكمة ميشيغان الديمقراطية المعارضة لترامب بشدة “غريتشن ويتمير”.

وهذه مؤشرات على غاية الخطورة في صورة عدم فوز ترامب بالانتخابات.

وما شهدته ولايات أمريكية كثيرة بعد قتل “جورج فلويد” خنقا تحت قدم شرطي متطرف، ثم كلمات ترامب العنصرية التي أججت الأوضاع أكثر، يعطي ملمحا مستقبليا عن أوضاع قد تتفاقم في بلد يحتوي مئات ملايين قطع السلاح لدى المواطنين.

صحيح أن مثل هذه الحرب ستكون وبالا على العالم كله، لكنه التقارير الصحفية العديدة وكلام عدد كبير من الخبراء فيه ما يشير بوضوح إلى أن الأمر لم يعد مجرد احتمال بل هو شبه حتمي.

يضاف إلى هذا الأزمة الإقتصادية الخانقة في أمريكا، وإفلاس عدد كبير من الشركات، ومن بينها شركات النفط الصخري، وآثار جائحة كورونا المدمرة، ومآلات الدولار التي تحمل ملامح تهدد مكانته أمام العملة الصينية التي يُراد لها أن تحرر في المعاملات البنكية والبترولية من هيمنة الدولار العاري من أي قيمة فعلية بعد ما عُرف بصدمة نيكسون في السبعينات (1971 وتم فيها إلغاء التحويل الدولي المباشر من الدولار إلى الذهب، بعد الكذب على العالم وتوريط دول كثيرة).

وقد قام ترامب بتعميق الأزمة وتدمير المجتمع الأمريكي وضحى بمئات آلاف الضحايا جراء كورونا كي لا تخسر شركاته وتلاعب لاستثمار أزمة البترول الخانقة وانهيار الشركات ليكون هو والذين يتحالف معهم المستفيدون مهما كانت التكلفة البشرية والاقتصادية.

من يحلل شخصية ترامب سيرى بجلاء ملامح جنون العظمة ونزعة للسيطرة وشرها للحكم والجاه والمال، وسيرى نموذجا لشخصية الكوبوي الذي أباد عشرة ملايين من سكان البلاد الأصليين وقتل أمثالهم من الأفارقة وعذّب ملايين آخرين تحت قيود العبودية واستعبد الصينيين القادمين ليطاردوا الحلم الأمريكي ومات الكثيرون منهم وهو يبنون السكك الحديدية.

وإن نقده الفاضح لسياسات سلفه أوباما، واتهامه بالشرير الذي صنع داعش مع هيلاري كلينتون، وكشفه عن الإيميلات السرية للأخيرة ضمن انتهاك لكل مبادئ الأمن القومي الأمريكي، وكذلك صراعه المفتوح مع المخابرات المركزية، ومع بعض الأسر اليهودية النافذة، وضغطه عبر مستشاره كوشنر على الدول العربية للتطبيع، وأساليبه العدوانية والمهينة مع الصحفيين، وإسفافه في التهجم على منافسه جوزيف بايدن، كل ذلك يكشف هوسا بالسلطة، ويبين أنه لا وجود لخطوط حمراء لدى ترامب، وأنه مستعد لكل شيء في سبيل أن يبقى رئيسا، لأن خروجه قد يعرضه لخسارة كبرى، وللمساءلة القانونية في قضايا كثيرة مثل التهرب الضريبي والتحريض على الكراهية وتمزيق وحدة المجتمع الأمريكي.

وقد سبق وصرّح أنه إن خسر فلأن الانتخابات تم تزويرها، وأنه يشكك في الانتخاب البريدي، وصرح قبل ذلك عندما تم العمل على مشروع لإقالته بسبب القضية الأوكرانية أنه ذلك سيعني الحرب الأهلية.

في اعتقادي الولايات المتحدة تمضي –  ومن خلفها العالم –

نحو ما لا تحمد عقباه.

وإذا طبقنا مقولة العلامة ابن خلدون “كل أمة تحمل بذور هلاكها”، فإن دونالد ترامب بذرة هلاك فعلي وخطير وداهم، ليس لبلاد العم سام فقط، بل للعالم كله.

ورغم تفوق بايدن عليه نسبيا في المناظرات التلفزيونية، وسوء سمعته وكراهية الكثير من الأمريكيين وازدراءهم له، فإن المرجح لدي أن السوبر-ترامب سيفوز في الانتخابات، لأسباب كثيرة، من بينها ضغط القوى المهيمنة التي تدعمه واللوبيات الصهيونية النافذة، ومدى دعم اليمين المتطرف والانجيليين المتعصبين، خاصة أتباع مستشارته الروحانية باولا وايت التي بشرت أنه مختار من الله.

وكذلك خوف قسم من الأمريكيين من الحرب الأهلية واختيارهم أقل الشرين ضررا.

وفي صورة فوزه سيحاول بكل قوته تحطيم العالم مقابل إثرائه الشخصي، وتقوية نفوذ بارونات المال والسلاح داخل الدولة ككل، ومزيد العنصرية، وأزمات عالمية كثيرة.

أما في حال عدم فوزه فلا أتصوره يقبل الأمر ببساطة، ستعم الفوضى في مدن كثيرة، وقد يصل الأمر إلى حرب أهلية فعلية، وانهيار اقتصادي غير مسبوق.

وإن النظر الاستراتيجي يحتاج إلى هدوء كبير، ومن خلال ذلك الهدوء يكون الحكم بعدم تمني حدوث حرب أهلية أو انهيار اقتصادي لأقوى دولة في العالم، لأن ذلك سيعني دمارا عالميا واسع النطاق، والتسريع بنشوب الحرب العالمية الثالثة بشكل مباشر.

لعل العالم يحتاج لسنوات أخرى، قبل السقوط الاقتصادي، وتأزم الوضع البيئي مع ارتفاع نسب الاحتباس الحراري، ثم مشاكل أخرى لا حصر لها، تكون الحرب العالمية الثالثة في رأيي حتمية قبل سنة 2030، إلا أن تتغير المعادلات بمسائل ليست جلية الآن.

فلنأمل خيرا إذا، رغم كل حسابات الاستراتيجيا، وتشاؤم الرؤية الاستشرافية.

27-10-2020