4 دقائق للقراءة
في سيرورة الأيام حكم قديمة تتجدد، وآيات لله تنجلي وفق سنة وناموس إلهي لا تبديل له.
تحت بند قوله سبحانه:﴿سُنَّةَ ٱللَّهِ فِی ٱلَّذِینَ خَلَوۡا۟ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِیلࣰا﴾ [الأحزاب ٦٢]
﴿ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِیلࣰاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِیلًا﴾ [فاطر ٤٣]
ومن بين السنن، سنن أحوال القلوب، في تقلبها، وفي رسوخها أو ارتجافها، إخلاصها أو نفاقها.
فحال بعض القلوب تترجمه هذه الآية:﴿وَرَبَطۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ إِذۡ قَامُوا۟ فَقَالُوا۟ رَبُّنَا رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ لَن نَّدۡعُوَا۟ مِن دُونِهِۦۤ إِلَـٰهࣰاۖ لَّقَدۡ قُلۡنَاۤ إِذࣰا شَطَطًا﴾ [الكهف ١٤]
وحال بعضها الآخر ترجمانه في آية أخرى: ﴿فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضࣰاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمُۢ بِمَا كَانُوا۟ یَكۡذِبُونَ﴾ [البقرة ١٠]
فمن كان حال قلبه وفق الآية الأولى، كان حاله ضمن قوله سبحانه: ﴿مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ رِجَالࣱ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَیۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن یَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُوا۟ تَبۡدِیلࣰا﴾ [الأحزاب ٢٣]
ومن كان حال قلبه في الآية الثانية، كان حاله ضمن قوله سبحانه:﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفࣲۖ فَإِنۡ أَصَابَهُۥ خَیۡرٌ ٱطۡمَأَنَّ بِهِۦۖ وَإِنۡ أَصَابَتۡهُ فِتۡنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةَۚ ذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِینُ﴾ [الحج ١١]
ومن هنا ينبع النفاق، والتذبذب: ﴿مُّذَبۡذَبِینَ بَیۡنَ ذَ ٰلِكَ لَاۤ إِلَىٰ هَـٰۤؤُلَاۤءِ وَلَاۤ إِلَىٰ هَـٰۤؤُلَاۤءِۚ وَمَن یُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ سَبِیلࣰا﴾ [النساء ١٤٣]
فإن علة النفاق منبعها القلب، من حسد مغلف بالمحبة، وعصيان مغلف بالطاعة، وكره عميق مقنع بصحبة واتباع، وسوء طوية عليه رياء وادعاء تقوى وورع، وكم عانى رسول الله من المنافقين بل وحجبهم الله عنه لحكمة حتى جاء الأجل ضمن نسق عظيم وحكمة بالغة:
فحقيقة وجودهم وأن النبي لم يعرف كثيرا منهم لقوة نفاقهم، في قوله سبحانه: ﴿وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَـٰفِقُونَۖ وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡمَدِینَةِ مَرَدُوا۟ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعۡلَمُهُمۡۖ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَیۡنِ ثُمَّ یُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِیمࣲ﴾ [التوبة ١٠١]
وبوابة معرفتهم في قوله سبحانه: ﴿وَلَوۡ نَشَاۤءُ لَأَرَیۡنَـٰكَهُمۡ فَلَعَرَفۡتَهُم بِسِیمَـٰهُمۡۚ وَلَتَعۡرِفَنَّهُمۡ فِی لَحۡنِ ٱلۡقَوۡلِۚ وَٱللَّهُ یَعۡلَمُ أَعۡمَـٰلَكُمۡ﴾ [محمد ٣٠]
ووصفهم وسمتهم في قوله سبحانه: ﴿۞ وَإِذَا رَأَیۡتَهُمۡ تُعۡجِبُكَ أَجۡسَامُهُمۡۖ وَإِن یَقُولُوا۟ تَسۡمَعۡ لِقَوۡلِهِمۡۖ كَأَنَّهُمۡ خُشُبࣱ مُّسَنَّدَةࣱۖ یَحۡسَبُونَ كُلَّ صَیۡحَةٍ عَلَیۡهِمۡۚ هُمُ ٱلۡعَدُوُّ فَٱحۡذَرۡهُمۡۚ قَـٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ یُؤۡفَكُونَ﴾ [المنافقون ٤]
ومقامهم عند الله في قوله سبحانه: ﴿إِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ فِی ٱلدَّرۡكِ ٱلۡأَسۡفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمۡ نَصِیرًا﴾ [النساء ١٤٥]
أما موعد انكشافهم جميعا فيتعلق بحادثة وقعت في الحقيقة في حق السيدة مارية وابنها سيدنا ابراهيم بن سيدنا محمد، وذلك في قوله سبحانه: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ جَاۤءُو بِٱلۡإِفۡكِ عُصۡبَةࣱ مِّنكُمۡۚ لَا تَحۡسَبُوهُ شَرࣰّا لَّكُمۖ بَلۡ هُوَ خَیۡرࣱ لَّكُمۡۚ لِكُلِّ ٱمۡرِئࣲ مِّنۡهُم مَّا ٱكۡتَسَبَ مِنَ ٱلۡإِثۡمِۚ وَٱلَّذِی تَوَلَّىٰ كِبۡرَهُۥ مِنۡهُمۡ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِیمࣱ﴾ [النور ١١]
ولكن ذلك لم يكن سوى الموعد الأول الذي به سوف يتحول المنافقون إلى نسق عمل آخر ينطلق من تسميم ابن النبي وقتله إلى محاولة اغتيال رسول الله في هرشة إلى تسميم رسول الله ثم ما كان في حق الامام علي والسيدة الزهراء حتى اغتيال الامام وابنه السبط، ليكون التمظهر الأقوى الذي أظهر حقيقة تلك القلوب، وكان ذلك في مثل هذا اليوم، في الطف من ارض العراق، على مشارف الكوفة، حيث ملحمة ابن رسول الله وابن بنته ووصيه، الإمام الحسين عليه السلام.
إن النظر في أحوال القلوب، والغوص في هذا العلم بروح لدنية وسند قرآني ومدد محمدي، سيجعل أمورا كثيرة تنكشف وتتضح، ونرى أن الناموس يتكرر إلى اليوم، ونجد أن وباء النفاق مستمر، وأن مرضى القلوب حالهم واحد على اختلاف العصور والأمكنة.
ويصف القرآن هذا الأمر بمصطلح عظيم وهو تشابه القلوب، كأنها مستنسخة من بعضها، في تماه في الحال والمآل: ﴿ تَشَـٰبَهَتۡ قُلُوبُهُمۡۗ قَدۡ بَیَّنَّا ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ﴾ [البقرة ١١٨]
وكل هذا بيناه في موسوعة البرهان ضمن علم الشاكلة، وهو من نفح قوله سبحانه: ﴿قُلۡ كُلࣱّ یَعۡمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِۦ فَرَبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَنۡ هُوَ أَهۡدَىٰ سَبِیلࣰا﴾ [الإسراء ٨٤].
وقد جعل الله أمر القلب عظيما، فالمآل متصل به دون غيره: ﴿إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبࣲ سَلِیمࣲ﴾ [الشعراء ٨٩]
وجعله مسؤولية مع السمع والبصر، ليرتقي القلب إلى حال الفؤاد، حيث تنصهر العوالم وتندمج الطاقات: ﴿وَلَا تَقۡفُ مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولࣰا﴾ [الإسراء ٣٦]
وهذا له شرح يطول.
إن علم أحوال القلوب من علوم أهل الله، ومما ركز عليه العارفون، لأن عملهم يتمحور أساسا في إصلاح القلوب، عبر إدخالها في باب الإيمان ورفعها إلى مقام الإحسان، لتنعم بسر قوله عز وجل: ﴿ وَمَن یُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ یَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ﴾ [التغابن ١١]
ولكنهم كانوا يعلمون أن القلوب القاسية لا تلين، مثلها كقلوب المجرمين:﴿ثُمَّ قَسَتۡ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَ ٰلِكَ فَهِیَ كَٱلۡحِجَارَةِ أَوۡ أَشَدُّ قَسۡوَةࣰۚ وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا یَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَـٰرُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا یَشَّقَّقُ فَیَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَاۤءُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا یَهۡبِطُ مِنۡ خَشۡیَةِ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ﴾ [البقرة ٧٤]
وأن القلوب التي ختم عليها الله لا يصلها نور أبدا: ﴿خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَعَلَىٰ سَمۡعِهِمۡۖ وَعَلَىٰۤ أَبۡصَـٰرِهِمۡ غِشَـٰوَةࣱۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِیمࣱ﴾ [البقرة ٧]
وأن القلوب الغلف لا يصلها شعاع المحبة: ﴿وَقَالُوا۟ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَقَلِیلࣰا مَّا یُؤۡمِنُونَ﴾ [البقرة ٨٨]
وأن القلوب التي في الأكنة، لا تشم نفح الجنة:﴿وَقَالُوا۟ قُلُوبُنَا فِیۤ أَكِنَّةࣲ مِّمَّا تَدۡعُونَاۤ إِلَیۡهِ وَفِیۤ ءَاذَانِنَا وَقۡرࣱ وَمِنۢ بَیۡنِنَا وَبَیۡنِكَ حِجَابࣱ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَـٰمِلُونَ﴾ [فصلت ٥]
وأن القلوب العمياء لا ترى ولا تستجلي أو تستنبط او تفهم:﴿أَفَلَمۡ یَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَتَكُونَ لَهُمۡ قُلُوبࣱ یَعۡقِلُونَ بِهَاۤ أَوۡ ءَاذَانࣱ یَسۡمَعُونَ بِهَاۖ فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَلَـٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِی فِی ٱلصُّدُورِ﴾ [الحج ٤٦]
وأن القلوب التي عليها اقفالها، لا تتدبر أمر الله ولا كتابه ولا تدرك حكمته ولا تعرف أهله: ﴿أَفَلَا یَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَاۤ﴾ [محمد ٢٤].
ولكن أشد تلك القلوب لؤما، وأكثرها شرا، وأعظمها ضررا، القلوب المنافقة، لأنها تدعي ما لا تعي، وتظهر غير ما تبطن، وتداهن حتى تقترب، لتطعن في الظهر، فكان أولى بها أن تكون في الدرك الأسفل من ذل الدنيا ومن عذاب الآخرة.
ألا لعنة الله على المنافقين: ﴿فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّیثَـٰقَهُمۡ لَعَنَّـٰهُمۡ وَجَعَلۡنَا قُلُوبَهُمۡ قَـٰسِیَةࣰۖ یُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَنَسُوا۟ حَظࣰّا مِّمَّا ذُكِّرُوا۟ بِهِۦۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَاۤىِٕنَةࣲ مِّنۡهُمۡ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّنۡهُمۡۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱصۡفَحۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ [المائدة ١٣]