2 دقائق للقراءة
العلم الاسمي ظاهري عقلي قد ينخدع ويكون فتنة.
والعلم الكلماتي باطني قلبي فيه منجاة ومفازة ونور ومتابة.
حين يحرم الله قلوبا من هذا السر فإنها تتخبط في الظلمات ولا يفيدها ما علمت عقولها.
إن العلم يجب أن يتجاوز الاسم إلى الكلمة، كما يجب أن يجاوِز العقل إلى القلب، وسطح الظاهر إلى عمق الباطن، فهذا قانون علمي جوهري.
فكل علم لم يوصل إلى توحيد الله والإيمان به مهما كان مفيدا ونافعا فهو بين النقصان والافتتان. لا أنكر قيمة العلم عامة وقيمة ما وفّره للإنسان بالأمس واليوم خاصة من رفاه وازدهار وأنه كله من الله وبمشيئته، ولكن يظل المعيار النظري العام للعلم محددا بالقانون الأول الذي بيناه في مبحث “العلم بالله” وضمن تفصيل “صراط العقل” بشكل أخص، وهو معيار يرتكز على حقيقة أن العلم الحق له نقطتان يجمعهما خط مستقيم، نقطة أولى هي العلم ذاته، ونقطة ختامية هي العلم بالله، فما قصر عن النقطة الأخيرة وكان ضمن الخط المستقيم فهو ناقص وإن نفع، وما حاد عن ذلك كان فتنة وإن جعل الله فيه خيرا لأقوام فسيكون وبالا على آخرين.
إن العلم رباني الأصل والمصدر، ولم تبلغ منه البشرية ما بلغت لولا إذن من الله وحكمة كما بينا في باب العلم ضمن علم الأسس، ولكن كل تلك العلوم قاصر صاحبها إن لم تصل به إلى معرفة الله والسعي في مراتب العرفان به والإيمان الخالص لبلوغ العلم بالله (كما تم البيان في بابه)، فالعلم عظيم كله ومؤد لله كله في جوهر حقيقته، ولكن العيب في الناظر لا في المنظور، وفي قاصد العلم وحامله لا في العلم ذاته. وأنت ترى كيف أن الإنسان اليوم نظر في دقائق الذرة وآفاق المجرة ولكن ذلك لم يرافقه نظر في سر الذرة والمجرة وحقيقة خالق كل شيء، بل تجد من أكبر المختصين في هذه المجالات يعتقد أن الكون كان بمجرد المصادفة، ولئن تجد أيضا من وصلوا بتلك العلوم إلى اليقين بوجود خالق واحد، إذ انفتحت قلوبهم على عقولهم، فليس أشقى من عقل محشو بالعلم موصد دون القلب بابه ومنسدل دون الروح حجابه.
القلب، بوابة للتدبر والتفكر ومستقر للأنوار ومحجة للعلم ومكمن للكلمة ومنارة تهدي العقل في اندهاشه من الأسماء وظواهر العالم ومظاهره وظاهره، ليرى بالقلب بواطنه وكلمة الحق فيه وليبصر اسم الله خلف ظاهر الاسم الذي يراه، وهنا يكون للروح مجال تقف أمام عتباته اللغة عاجزة الأسماء وصامتة الكلمات.
لماذا القلب؟ حين يقرأ كلماتي من في عقله الفكر المادي المحض، سيراني صوفيا هائما أو فكرا حالما، ولأن العلم المادي يُصفع كل يوم بما خلف الاسم وما في سر الكلمات، فإني سأقول لك أيها الإنسان: آمن من آمن بالحق وبأنبياء الله ورسله لأن قلبه كان سليما، وأهل الإيمان علمت قلوبهم فوجلت مهابة واطمأنت محبة وازدادوا بالذكر إيمانا وبالتوكل علما وقوة وبرهانا: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2)”
وكفر من كفر بالله والحق الذي أنزل لأن قلبه مختوم فختمت معه حواس العقل: “خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)”