2 دقائق للقراءة
معلوم أن آدم كان عالما من فضل ربه، ولكن الشيطان أيضا كان صاحب علم، قبل مسخه، وبقي معه بعد مسخه شيطانا مَريدا، ثم تراكم مع مرور العصور وتعاقب الدهور، مما لا يخطر ببال أحد منا، من تفاصيل التاريخ وعلوم الأمكنة والعوالم والحضارات، أليس هو الجني الذي ارتفع لمرتبة عليا قاربت الملائكية؟؟ ثم أليس هو المتخلل النافذ الذي يرانا من حيث لا نراه؟؟
مشكلة قابيل وإبليس ليست العلم إذا، ومشكلة العلم هنا ليست انعدامه عبر الجهل والنسيان، بل المشكلة أعمق، إنها في القانون الأول للحياة، حين كتبت العداوة وكُتب معها نزول الهدي وحاليْ الإيمان والكفر والهدى والضلال، وعليه لم يخضع العلم لحاله العقلي المحض كي ينجو بالإنسان ويسمو به، بل خضع لحال أرق وأدق، حال قلبي، ألا ترى معي أن القلب كان في كتاب الله كونُ العلم ومفتاحُه ومفازتُه وفلاحُه ومستقرُّ أنواره ومستودعُ أسراره…
القلب بوابة إن انغلقت كان العلم العقلي عقيما حتى وإن برع الإنسان في فنون العلم، فإن براعته تلك مهما تطورت تظل منقوصة وعرضة للفتن ولكل صنوف المصائد الإبليسية ما لم يكن معها قلب يرى وروح تعي وضمير يحكم، فإن غاب ذلك تحول العلم إلى سلاح يشهره الإنسان في وجه أخيه الإنسان، ويفقد قيمته ثم يفشل وتذهب ريحه في النهاية.
ما الذي أنقذ آدم وجعله يتلقى الكلمات فيتوب الله عليه؟؟ ولماذا لم يتبين وهو من تعلّم الأسماء أن الشجرة لن تمنحه خلودا ولن تغني عنه من الله شيئا؟؟ ثم كيف كانت توبة الكلمات بعد سر الأسماء والفتنة والنسيان والانخداع رغم قوة سرّها؟؟
في رأيي وحسب ما أراه: كانت الأسماء علما عقليا ظاهريا (وفق معنى الظاهر في عقل وعين آدم لا في عقولنا وأعيننا)، فالاسم بوابة ظاهرة تفتح على الباطن دون الغوص فيه، وهو علم عقلي محض وإن كان تلقّيا، فكان الإنباء ظاهريا أيضا فأنبأ الملائكة وأسمعهم…ولكن ذلك العلم العقلي العظيم لم ينفع آدم أمام دهاء إبليس ومعرفته بجوانب من بواطن آدم وكثير من أسرار نفسه وجسده وعقله، فخدعه ودلّه بغرور، وكانت النتيجة خروجا من الجنة لحكمة أرادها الله.
أما الكلمات، وأعتقد أنه تلقاها في الأرض وقد يخالفني من يراه تلقاها في السماء، فهي معان وبواطن، فالاسم كنه ظاهر، والكلمة معنى باطن، وتلك الكلمات في اعتقادي استقرت في القلب وعبرته إلى العقل حاملة أسرارا باطنية رقّت آدم وأفهمته ما عجز عقله وعلمه الاسمي عن تفسيره له، فتاب الله عليه. والكلام ضمن هذا الإطار لا يلغي ما تم الذهاب إليه من أمر الدعاء، ولكن جوهر المسألة في نظري أن العلم الإسمي العقلي لم يكن درعا واقيا لآدم بقدر ما كان العلم القلبي الكلماتي، وحتى الدعاء فهو علم وباب كلمات باطنية قلبية عظمى.