موسوعة البرهان (47) الجزء الثاني (3): مقدمة: في العلم، بين القلب والعقل، والاسم والكلمة، وبعض مجالي القانون الأول (3)

2 دقائق للقراءة

معلوم أن آدم كان عالما من فضل ربه، ولكن الشيطان أيضا كان صاحب علم، قبل مسخه، وبقي معه بعد مسخه شيطانا مَريدا، ثم تراكم مع مرور العصور وتعاقب الدهور، مما لا يخطر ببال أحد منا، من تفاصيل التاريخ وعلوم الأمكنة والعوالم والحضارات، أليس هو الجني الذي ارتفع لمرتبة عليا قاربت الملائكية؟؟ ثم أليس هو المتخلل النافذ الذي يرانا من حيث لا نراه؟؟
مشكلة قابيل وإبليس ليست العلم إذا، ومشكلة العلم هنا ليست انعدامه عبر الجهل والنسيان، بل المشكلة أعمق، إنها في القانون الأول للحياة، حين كتبت العداوة وكُتب معها نزول الهدي وحاليْ الإيمان والكفر والهدى والضلال، وعليه لم يخضع العلم لحاله العقلي المحض كي ينجو بالإنسان ويسمو به، بل خضع لحال أرق وأدق، حال قلبي، ألا ترى معي أن القلب كان في كتاب الله كونُ العلم ومفتاحُه ومفازتُه وفلاحُه ومستقرُّ أنواره ومستودعُ أسراره…
القلب بوابة إن انغلقت كان العلم العقلي عقيما حتى وإن برع الإنسان في فنون العلم، فإن براعته تلك مهما تطورت تظل منقوصة وعرضة للفتن ولكل صنوف المصائد الإبليسية ما لم يكن معها قلب يرى وروح تعي وضمير يحكم، فإن غاب ذلك تحول العلم إلى سلاح يشهره الإنسان في وجه أخيه الإنسان، ويفقد قيمته ثم يفشل وتذهب ريحه في النهاية.
ما الذي أنقذ آدم وجعله يتلقى الكلمات فيتوب الله عليه؟؟ ولماذا لم يتبين وهو من تعلّم الأسماء أن الشجرة لن تمنحه خلودا ولن تغني عنه من الله شيئا؟؟ ثم كيف كانت توبة الكلمات بعد سر الأسماء والفتنة والنسيان والانخداع رغم قوة سرّها؟؟
في رأيي وحسب ما أراه: كانت الأسماء علما عقليا ظاهريا (وفق معنى الظاهر في عقل وعين آدم لا في عقولنا وأعيننا)، فالاسم بوابة ظاهرة تفتح على الباطن دون الغوص فيه، وهو علم عقلي محض وإن كان تلقّيا، فكان الإنباء ظاهريا أيضا فأنبأ الملائكة وأسمعهم…ولكن ذلك العلم العقلي العظيم لم ينفع آدم أمام دهاء إبليس ومعرفته بجوانب من بواطن آدم وكثير من أسرار نفسه وجسده وعقله، فخدعه ودلّه بغرور، وكانت النتيجة خروجا من الجنة لحكمة أرادها الله.
أما الكلمات، وأعتقد أنه تلقاها في الأرض وقد يخالفني من يراه تلقاها في السماء، فهي معان وبواطن، فالاسم كنه ظاهر، والكلمة معنى باطن، وتلك الكلمات في اعتقادي استقرت في القلب وعبرته إلى العقل حاملة أسرارا باطنية رقّت آدم وأفهمته ما عجز عقله وعلمه الاسمي عن تفسيره له، فتاب الله عليه. والكلام ضمن هذا الإطار لا يلغي ما تم الذهاب إليه من أمر الدعاء، ولكن جوهر المسألة في نظري أن العلم الإسمي العقلي لم يكن درعا واقيا لآدم بقدر ما كان العلم القلبي الكلماتي، وحتى الدعاء فهو علم وباب كلمات باطنية قلبية عظمى.

مقالات ذات صلة

يريد أن ينقض
ذلك الجدار الدي طال به العهد، وانتقل أصحابه عن الدنيا، سئم المقام حيث لا أنيس، ولا ضحكة طفل أو سجود شيخ، فأراد أن ينقض،...
2 دقائق للقراءة
عن والدي النبي وكافله
ورقة من الموسوعة التاريخية، وهذا نموذج لما في معظم الكتب السنية تاريخا وسيرة، حين يتم ذكر ام النبي او ابوه يسمون الاسم، وحين يذكرون...
2 دقائق للقراءة
بوابات الترقي
للترقي خمس بوابات، لكل باب مفتاح:بوابة النفس ومفتاحها الرغبة.بوابة العقل ومفتاحها التأملبوابة القلب ومفتاحها الذكربوابة الروح ومفتاحها العشقبوابة البرزخ ومفتاحها القرينبوابة النفس هي الأشد...
< 1 دقيقة للقراءة
مدرستنا المغاربية ومميزاتها
قدمنا إلى المملكة المغربية العلية المباركة، من بلاد الرافدين، محملين بالمحبة، وبسر الرابطة الروحية بين سيدنا الإمام علي وحفيده مولانا إدريس الأكبر.ومن المعلوم أن...
3 دقائق للقراءة
في حضرة الإمام الرفاعي
هام الفؤاد بحضرة الأرواحوأضاء في غبش الدجى مصباحيوأتيت قطب العارفين مولّهاأرجو اللقاء بعالم الأشباحفي حالة البعد العتي رأيتُنيأهدي السلام بأحرف الإفصاحواليوم يحضر بالتجسم موكبيفامدد...
< 1 دقيقة للقراءة
رجال المحمدية البيضاء
رجال المحمديه البيضاء هم رجال الله وأحباب رسوله، وهم بوارق شموس آل البيت تشرق في العالم بسر لا إله إلا الله، ونور محمد رسول...
< 1 دقيقة للقراءة
محاضرة حرب المعنى
كلمة الشيخ مازن الشريف في مجلس علماء الرباط المحمدي الفلوجة العراقأحبابنا في أرض العراق الحبيب،  أرض الأنبياء والصالحين، وأرض أجدادنا وأسيادنا.حي العراق وسادة الأسيادمن...
13 دقائق للقراءة
في مقام الخمرة القدسية
دروس الفتح المحمدي : في مقام الخمرة القدسية. 🍃معاني عرفانية وكلام عن أحوال الله، وسكرهم بحب الله🍃 الحمد لله الذي علينا تجلى وعنا ما...
11 دقائق للقراءة
نص محاضرة: هذه فاطمة
دروس الفتح المحمدي: هذه فاطمة. كلام و مقام عن السيدة فاطمة عليها السلام ابنة خير الأنامكلمات حق تحت اللواء المحمدي و نفحات فيض من...
9 دقائق للقراءة
هدية عرفانية من كتاب الوصايا
يا بني: إن الله يعطي عبده بلا سؤال، دلالا منه له.ويمنع عطاء عبده على كثرة السؤال، دلالا منه عليه.فمن دلله، جمّله.ومن تدلل عليه، ذلّله.فإن...
< 1 دقيقة للقراءة