2 دقائق للقراءة
والحسبان مرتبط بعلم الحساب وعلوم الأرقام، فالله حسب كل شيء بدقة لا يمكن تصورها، ولا يمكن لك أن تدرك حسابات يومك وحياتك إذ تنسى كثيرا في اليوم الموالي ولو نظرت إلى رقم متسلسل ثم حاولت تذكره لنسيته، فتأمل عظمة الله، فهو إحصاء بلا نسيان، لما هو كائن ولما سيكون ولما كان، فتأمل رد نبي الله موسى عليه السلام على عدو الله فرعون عليه اللعنة: ” قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)”
ثم تأمل كيف أن البشرية تنسى كثيرا فإذا جاء يوم الفصل تبين لها أن الله أحصى كل شيء بلا تفويت ولا نسيان: ” يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا ۚ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)”
فالله سبحانه هو المحصي، وهو المحيط بكل شيء إحاطة إحصاء كلي وحسبان تام، وهو الذي لا يشغله حساب عن حساب وشيء عن شيء، فذلك مع حساب العبد ومحاسبة الخلق من معاني قوله سبحانه: “إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)”
ولقد جعل من ملائكته موكلين بهذه الحسابات وهم العادّون، فذلك المعنى الذي أرتضيه لهم في قوله سبحانه: “قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113)”
إذ الأمر أدق وأشمل من مقدورات البشر على الحساب والعد….ولكنه مندرج ضمن نظام ملائكي حسباني معقد جدا، فهنالك ملائكة موكلون بالحسبان الإلهي، منهم العادّون الذين ذكرنا ضمن مجال واسع شاسع من الحسبان عامة، ومنهم مخصصون بحسبان خاص محدد فمن ذلك رقباء يراقبون ويحسبون على الإنسان كل حركة وسكنة وكل حياته من أولها إلى ختامها فهم الحفظة الحافظون الكرام الكاتبون: “وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)”
فهم متخصصون في الشأن الإنساني (ربما التكليفي للثقلين) حيث خصص الله لكل إنسان ومكلّف مراقبين شخصيين: “مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)”
وكذلك خصه رحمة ولطفا بحافظين ومعقبات يحفظونه ويراقبونه ويتابعونه ليلا ونهارا: “سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ (11)”
وكل هذا قائم بحسبان دقيق جدا، وهو حسبان إحصائي دقيق شامل يندرج ضمن “الرصد”، الذي يرتبط بمراقبة دقيقة عن قرب بشكل حسابي إحصائي، وكذلك إحصاء أعداد كل شيء حيث لا يغيب ويعزب شيء مطلقا، وتجد كل هذه المعاني في قوله سبحانه: ” إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)”
فالغيب والعلم به حسبان لما هو آت وللمقادير كلها، والرصد خصص هنا بالأنبياء، لكن الله يرصد كل شيء، فهو بالمرصاد دائما: ” إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)”