كتاب حكايات الحروف (1): الألف

6 دقائق للقراءة

أنا أول البدء…منشأ الشيء.. أجمل الحرف وأعلاه…أمير الكلمات لي أمرها كله.
هكذا بدأ كلامه عن ذاته، ربما تراه أنانيا، لكن مقامه في لسان العرب مقام من أمِن وأيقن.
لا يألف الألف إلا ببطء، ولا يأتي إلا حين يقرر المجيء. وتراه كرجل مخابرات يغير من شكله، يصعد فوق عمود الخط أو ينقلب على رأسه كبهلواني، أو يقف فوق أرض الكتابة أو يغوص فيها أو يركب الياء أو الواو، ولعلّه امتدّ أو اختبأ: حقا ليس غريبا أن يكون أول حروف اللغة العربية، لكنه ينقم على الضاد: لماذا لم تسمى لغة الألف.
للألِف ألف ألْف قصّة في تواريخ الكلام، وتراه يختال مزهوا كلؤلؤة في جوف صدفة، يتلألأ ألقا لكأنّه عاشق في حضن أول لقاء. وحين تمرر فكرك في أرجاء العالم تجده: سماء تختال بهجة بأقمارها ونجومها وضوء شمسها وأسى مساءها. وتراه حياة في الماء: أحيا به البارئ كل شيء. وتراه يأنس كلما ذكرت ليلى: مجنونها والصحراء، وقصائد الشعراء، أشواق وآهات وأغان وأمور أخرى.
حرف الألف حرف مبهج، رغم البؤس الظاهر في عينيه لحال الأمة، وكأمّ للحروف وإمام للكلمات ومؤذّن في محراب اللغة القدسية، تجده في آيات القرآن، وترى في عينيه خشوع المؤمن وهو يرتل: ألم..ألر.. لله في سر الألف ما أخفى وما أبدى لمن عرف وغرف.
ألم تر الألف؟ أين وأنى لك أن تتجاهل أنه من أرواح السؤال، استفهم وستفهم أنه مخبوء في أرواح الأسئلة الأولى، وفي آي القرآن وفي كل كلمة سأل الله فيها نبيه والمؤمنين: ألم تر…ألم تعلم…ألم يئن للذين آمنوا.
الألف بريء من ذنب الموءودة، يتفتت أسفا وأسى، والألف أسمى من عقم الكلمات بزمن المعدن، أنقى من قلب العذراء، أغلى من كنز غني أخفاه ببئر أو دفنه بجوف الأرض…الأرض…وطن الألف من قبل أن يأتيها آدم وحواء…
يحب الألف الألوان:أحمر،أخضر، أبيض،أسود.
تخيل العالم لولا الألف..عالم لا لون فيه…
ابن ماء السماء…وخبر سبأ…وأيام من ماض أدمته الأحزان…زرقاء يمامة…وسموأل…وامرئ قيس يسأل عن طلل لامرأة ظعنت..عن إبل رحلت بأميرة….وعنترة العبسي الأسمر يؤجج ليله شوقا وينشد:
رمت الفؤاد مليحة بين سمراء
بــسهـــام لــحظ ما لهن دواء
وغير بعيد تأبط شرا والشنفرى يهتف: أقيموا بني أمي….
وفي متون الكتب وجميل الأدب ترى الألف وضّاء المحيا يتمشى على شواطئ الأدب الكبير والأدب الصغير ، ويبحر في عجائب ألف ليلة وليلة ، ويسافر في مدائن الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان ، ويضحك من قصص الأصمعي مع الأعرابي ، ولعلك رأيته يُعِدُّ مأدبة لأشعب …أو يقرأ من نوادر البخلاء …وإنك ستجده حتما في كتب التاريخ كلها وما فيها من أخبار…ومن أمكنة وأزمنة وأنباء وأمصار، وربما وجدته إماما يقرأ الأحاديث ويشرح الموطّأ …
لنرحل إلى الغابة مع الألف…سيعرّفك على عالم الحيوان وعلى مملكته الأجمل: ظباء…وأيائل…وأسود…وأبقار ترعى بهدوء…لبؤة تصطاد…حرباء تلعب بالألوان…أفعى تتسلل في صمت…بببغاء سرق بعض الكلمات من جيب آدم…أرنب يحرّك أذنيه…أقسم أن كل حيوانات الغابة ملك له…وحين عاندته الحروف وجاء الدال والباء وقالا: قل أنك تمتلك حتى الدب…ابتسم بدهاء…دب أبيض…فهد أرقط…نمر أسود..نسر أشهب…ما دام اللون ملكا له فله كل مُلوّن…اما مملكة البحر فليس لحرف فيها معه نصيب…وإن هتف السين والميم والكاف “سمك”…نظر بمكر وقال: حيوان مائي…لكأن الألف يعلم أنه له سرا…في الكائنات كلها…في سر الإنسان…وملائكة الرحمن…والأرواح وسرها الأخفى.
وعلى ذكر الأسرار: أسرَّ لي مرة أنه يعرف سر الإكسير…وأنه من اخترع الخيمياء…وفهم أسرار السيمياء…وحوّل الحجر إلى ذهب والنار إلى ماء….
مرة خرج في شوارع اللغة وصرخ: أنا الملك.. وحين عاتبته اللغة قال لها: لولاي لكنت نكرة…ما عرفكِ أحد ولا عرّفت شيئا: فكلما قال قائل: الشمس…القمر…الكلام..كنت خفيا كروح…أنا في الصوت وفي الصدى…في الأفق وفي المدى: ألشّمس…ألْقمر…ألكلام…
أليس الألف أهلا أن تتوجه اللغة ملكا…تلك أمنية في قلبه…إن لم ينلها في الأولى…عسى ينالها في الآخرة…لن ينقطع من فؤاده الرجاء..يضع حلمه في بؤبؤ عينيه..ويستمر في الدعاء.


تأبط شراً واسمه ثابت بن جابر الفهمي (توفي نحو 530 م), أحد شعراء الجاهلية الصعاليك وعدائيهم من أهل تهامة ، وكانت معظم إغاراته على بني صاهلة من قبيلة هذيل وبني نفاثة من قبيلة كنانة.
الشَّنْفَرَى (توفي نحو 70 ق هـ / 525م) ثابت بن أواس الأزدي (اواس ابن من ابناء حجر بن الهنوء الازدي)، شاعر جاهلي، من فحول الطبقة الثانية. كان من فتاك العرب وعدّائيهم ومن أشهر الصعاليك شعرا وأثرا. وهو أحد الخلعاء الذين تبرأت منهم عشائرهم. قتله بنو سلامان. صاحب لامية العرب الشهيرة التي مستهلها:
أقيموا بني أمي ، صدورَ مَطِيكم** فإني إلى قومٍ سِواكم لأميلُ
فقد حمت الحاجاتُ والليلُ مقمرٌ**وشُدت لِطياتٍ مطايا وأرحُلُ
وفي الأرض مَنْأىً للكريم عن الأذى ** وفيها لمن خاف القِلى مُتعزَّلُ

من عيون الأدب العربي لابن المقفع: أبو مُحمّد عبد الله بن المقفع (106 – 142 هـ)(724 م ـ 759 م) (بالفارسية:ابن مقفع – أبو مٰحَمَّد عبد الله روزبه بن داذویه) وهو مفكّر فارسي وُلِد مجوسياً لكنه اعتنق الإسلام, وعاصر كُلاً من الخلافة الأموية والعباسية.
درس الفارسية وتعلّم العربية في كتب الأدباء واشترك في سوق المربد. نقل من البهلوية إلى العربية كليلة ودمنة. وله في الكتب المنقولة الأدب الصغير والأدب الكبير فيه كلام عن السلطان وعلاقته بالرعية وعلاقة الرعية به والأدب الصغير حول تهذيب النفس وترويضها على الأعمال الصالحة ومن أعماله أيضاً مقدمة كليلة ودمنة.
الأدب الكبير: يعترف ابن المقفع بأنه أخذ كتابه هذا من أقوال المتقدمين، وقد قدم له بتوطئة “في فضل الأقدمين على العلم وشروط درسه والغرض من هذا الكتاب” وقسمة إلى مبحثين: الأول في السلطان ومصاحبه وما يجمل بكل منهما من الخلال، وفي هذا المبحث بابان الأول السلطان والثاني في صحبة السلطان. أما المبحث الثاني فقد خصه بالأصدقاء، وحسن اختيار الصديق، وحسن معاملته، وكل ما له علاقة بالأصدقاء.
الأدب الصغير: كان ابن المقفع في الأدب الصغير ناقلاً أيضاً. فقد قال: “وقد وضعت في هذا الكتاب من كلام الناس المحفوظ حروفاً” غير أنه تصرف فيما نقله. وهذا الكتاب كناية عن دروس أخلاقية اجتماعية ترغّب في العلم و تدعو المرء إلى تأديب نفسه، ويوصي بالصديق، ويتكلم على سياسة الملوك والولاة.
ألف ليلة وليلة هو كتاب يتضمّن مجموعة من القصص التي وردت في غرب وجنوب آسيا بالإضافة إلى الحكايات الشعبية التي جُمِعت وتُرجمت إلى العربية خلال العصر الذهبي للإسلام. يعرف الكتاب في اللغة الإنجليزية كذلك بمسمى الليالي العربية، منذ أن صدرت النسخة الإنجليزية الأولى منه سنة 1706.
تم جمع العمل على مدى قرون، من قِبل مؤلفين ومترجمين وباحثين من غرب ووسط وجنوب آسيا وشمال أفريقيا. تعود الحكايات إلى القرون القديمة والوسطى لكل من الحضارات العربية والفارسية والهندية والمصرية وبلاد الرافدين. معظم الحكايات كانت في الأساس قصصاً شعبية من عهد الخلافة، والبعض الآخر، وخاصة قصة الإطار، فعلى الأرجح تم استخلاصها من العمل البهلوي الفارسي «ألف خرافة» (بالفارسية: هزار أفسان) والتي بدورها اعتمدت جزئياً على الأدب الهندي.
ما هو شائع في جميع النُّسخ الخاصة بالليالي هي البادئة، القصة الإطارية عن الحاكم شهريار وزوجته شهرزاد، التي أدرجت في جميع الحكايات. حيث أن القصص تنطلق أساساً من هذه القصة، وبعض القصص مؤطرة داخل حكايات أخرى، في حين تبدأ أخرى وتنتهي من تلقاء نفسها. بعض النُّسخ المطبوعة لا تحتوي سوى على بضع مئات من الليالي، والبعض الآخر يتضمن ألف ليلة وليلة أو أكثر. الجزء الأكبر من النص هو بأسلوب النثر، على الرغم من استخدام أسلوب الشعر أحياناً للتعبير عن العاطفة المتزايدة، وأحياناً تستخدم الأغاني والألغاز. معظم القصائد هي مقاطع مفردة أو رباعيّة، كما أن بعضها يكون أطول من ذلك.
هناك بعض القصص المشهورة التي تحتويها ألف ليلة وليلة، مثل “علاء الدين والمصباح السحري”، “علي بابا والأربعون لصاً”، و “رحلات السندباد البحري السبع”، كما أن هناك بعض الحكايات الشعبية في منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر شبه مؤكدة تقريباً، وليست جزءاً من ألف ليلة وليلة الموجودة في الإصدارات العربية، ولكنها أضيفت من قبل المستشرق الفرنسي أنطوان غالان ومترجمين أوروبيين آخرين،وكان أنطوان غالان قد عمل على ترجمة الكتاب إلى الفرنسية سنة 1704.
أبو حيان التوحيدي (310 – 414 هـ / 922 – 1023 م) فيلسوف متصوف، وأديب بارع، من أعلام القرن الرابع الهجري، عاش أكثر أيامه في بغداد وإليها ينسب.
وقد امتاز أبو حيان بسعة الثقافة وحدة الذكاء وجمال الأسلوب، فهو رجل موسوعي الثقافة، سمي أديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء كما، امتازت مؤلفاته بتنوع المادة، وغزارة المحتوى؛ فضلا عما تضمنته من نوادر وإشارات تكشف بجلاء عن الأوضاع الفكرية والاجتماعية والسياسية للحقبة التي عاشها، وهي -بعد ذلك- مشحونة بآراء المؤلف حول رجال عصره من سياسيين ومفكرين وكتاب.
الإمتاع والمؤانسة كتاب يروي ما جرى في سبع وثلاثين ليلة قضاها أبو حيان التوحيدي في منادمة الوزير أبي عبد الله العارض، وزير صمصام الدولة ابن عضد الدولة البويهي. جمعها التوحيدي وأهداها لأبي الوفاء المهندس محمد بن محمد البوزجاني الذي وصله بالوزير أبي عبد الله. وهو ثلاثة أجزاء
للأصمعي نوادر وطرائف كثيرة خاصة مع الأعراب ومنها ما تجده في حرف الواو.
والأصمعي هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع الباهلي (121 هـ- 216 هـ/ 740 – 831 م) راوية العرب، وأحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان.
هو أحد ظرفاء أهل المدينة، ولد في سنة تسع من الهجرة، عرف بالطمع وكان له طرائف كثيرة مازالت تروى في القصص الشعبية.
البخلاء من أشهر الكتب في نوادر البخل والبخلاء ألفه الجاحظ.
الجاحظ الكناني هو أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب بن فزارة الليثي الكناني البصري (159 هـ-255 هـ) أديب عربي كان من كبار أئمة الأدب في العصر العباسي، ولد في البصرة وتوفي فيها.
الكتاب المرجعي للفقه المالكي، وهو أجل كتب الحديث المتقدّمة، ألفه الإمام أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي الحميري المدني (93-179هـ / 711-795م) فقيه ومحدِّث مسلم، وثاني الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب المالكي في الفقه الإسلامي.

مقالات ذات صلة

طفل وصورة
كان طفلا في مدرسة لها قسمان، سورها من شجر عال متكاثف له شوك أبيض طويل. يلبس صندلا من البلاستك ذي النتوءات التي كثيرا ما...
4 دقائق للقراءة
صوت لا يخبو ونبض لا يموت
وتبقى الكلمة…موقفا وروحا ونبضا لا يموت.كثيرا ما يُظلم الشعراء، وكثيرا ما تجد القصائد الجميلة نفسها سجينة في زمن يطغى فيه الابتذال وتسيطر عليه الرداءة.وكثيرا...
< 1 دقيقة للقراءة
لقاء مع العملاق
لقاء جديد مع العملاق، صديقي الفنان الكبير لطفي بوشناق، مناضل بالفن، مناصر للقضية، موغل في حب الوطن، وفي العروبة، وفي حب فلسطين.فنان من زمن...
< 1 دقيقة للقراءة
زيتونة
اجلس تحت شجرة زيتون اتنسم نسائمها البارده واتنعم بظلها الوارف واستمع لحفيف الريح على اغصانها يعلو كانه العاصفه ثم يخفت حتى لا يكاد يسمع...
< 1 دقيقة للقراءة
رسالة إلى الذين يعرفون أنفسهم
واجهت في حياتي أعداء كثرا.واجهتهم يافعا موهوبا، فكرهوه حسدا.وشابا قويا طموحا، فازدادوا كمدا.وأواجههم اليوم وقد بلغتُ أشدِّي، فلم يفز منهم أحد علي أبدا.صحيح أن...
2 دقائق للقراءة
في فلسفة الوجع
حياتنا قصة مكتوبة في لوح القدر، ونحن نقرؤها بتنفيذ ما فيها، ونتكشف كل يوم ورقة من ورقاتها، فصلا من فصولها، حدثا من احداثها…ونبقى في...
2 دقائق للقراءة
تحية لتلاميذي
تلاميذي هم أبنائي، نمور علمتهم ودربتهم ومنحتهم ثمار عذابات عمري وخلاصة شقاء سنوات التدريب القاسي والبلاء المر.وفي مدرستي يكون التعليم في الحال والمقال، في...
< 1 دقيقة للقراءة
في معنى كلمة مولى
ذكر أحد الأحبة عن كلمة “مولى”، أن المولى هو الله عز وجل، وليس الإنسان مولى لأحد.وهذا فهم ضمن معنى الربوبية الإلهية حصرا، لكن للألفاظ...
2 دقائق للقراءة
استقلال وشعر
الشعر استقلال للغة، وتحرر للمعاني، وتحرير للصور من استعمار النمط وسيطرة القوالب.وعبث جميل بحجارة الأفكار، وطيران باجنحة الخيال في آفاق الممكن والمستحيل.وبين العشرين واليوم...
< 1 دقيقة للقراءة
يابا العمدة
منذ الصبا كنت اتابع واحب المسلسلات المصرية، وكنت مغرما باللهجة الصعيدية، وبمشاهد بقيت راسخة في ذهني.ومن الشخصيات التي كنت احبها شخصية “العمدة”، ومشهد الغفير...
< 1 دقيقة للقراءة