2 دقائق للقراءة
إذا أتتك الروح فعقلنها…وإن أتاك العقل فروحِنْه…
الروح التي تفيض خارج حد العقل ستلقيك على صخر الواقع كموجة مدّ قوية.
العقل الذي لا روح له سيحوّلك إلى صخرة جاثمة على تراب المادة.
بين العقل ونظمه ومساراته، والروح وأكوانها وفيوضاتها، نقطة التقاء، برزخ فيه مرج البحرين، ومجمع السدين.
وهنالك في تلك النقطة تلتقي الأزمنة، نسيجا واحدا، كمسبحة في يد القدير.
وهنالك يمكن أن تنظر بجلاء إلى الآتي ملامح من الغيب تنكشف لخاصة الخاصة، وأن يترائى لك الماضي كأنك كنت على الزمان شاهدا.
وهنالك في تلك النقطة تتسع لك الأكوان وتدنو منك العوالم، وتنجلي لعقلك المعارف أنهارا فوقها أنهار فوقها بحار فوقها أفق أعلى فيه يمّ الماء الأول الذي عليه عرش الرحمان.
لكن بلوغ تلك النقطة يحتاج دُربة جسم شاقّة، وتهذيب نفس طويل، وتطهير قلب عسير، وصقل عقل دؤوب، وسيرا على جمر الطريق، وصبرا على مكابدات الطريقة.
وكل ذلك يحتاج تسليما بعد يقين، ويقينا بعد إيمان، وإيمانا بعد استقامة، واستقامة بعد تزكية، وقرعا لأبواب الرجاء بيد الدعاء، حتى تنفتح أبواب العرفان، وتقترب معارج الإحسان، وتشرق شموس الحقيقة.
وهنالك في مجمع البحرين، بعد أن تلقى من سفرك نصبا، سيتخذ حوتك سبيله في البحر عجبا، وستجد الخضر يجلس على سجادة فوق الماء، فاصبر حين يخرق سفينة حياتك، ويقتل غلام نفسك، ويقيم جدار قلبك الذي يكاد أن ينقض في قرية ذاتك البخيل أهلها، فإن تحته كنز ليتيمين فيك: عقلك وروحك، فإن افتقار العقل للروح يتم له، وإن افتقار الروح للعقل يتم لها. فإن بلغا تلك النقطة بلغا أشدهما، فاستخرجا كنزهما، رحمة من ربك، وكان أبوهما صالحا، فإن القلب أب لهما، فإن صلح صَلُحا، وكان من نصيبهما الكنز المخبوء الذي لا تقيم جداره ولا تعرف أسراره إلا يد رحمانية بعلم لدني وسر رباني معقود بكف الخضر ومن خلفه من دائرة الصالحين وديوانهم.
ليس أكثر من الكنوز في قلوب بني آدم، ذلك الأب الصالح الأول، ولكن ما أقل الصابرين، وما أكثر أهل الجدل والبخل والعناد.
اسلك إذا إن كنت تطيق صبرا…