2 دقائق للقراءة
تتابع الأحداث في سيرورتها، فيبدو خفي ويختفي جليّ وتتلاعب أمواج الوقت بالناس ويتلاعب بعض الناس ببعض، هي مسألة قديمة في تفاصيل الحياة البشرية، لكنها اليوم أكثر تعقيدا وأشدُّ وطأة ولعلها أشد تعاسة أيضا.
ضمن كل هذا الزَّخم قد يحار الحليم ويبهت العاقل الحكيم.
ولكن لابد من هدأة للفكر وفسحة للتأمل، حتَّى يرى الرائي بوضوح، ويمضي إلى أوراح المعاني المحتجبة خلف أشباح المباني، وهذا ليس بالأمر اليسير حين تخاتل الأطياف وتكثر الخدع ويلقي السحرة حبالهم فكأنها أفاع تسعى.
ما حدث أن فرعون تطوّر كثيرا، لم يعد ذلك الأبله الذي يلج ما بين جبلي الماء ليغرق في البحر مع جنوده، صار يرسل البيادق من أبناء الأمة نفسها ليقتل بعضها بعضا، وينادي أن الله سيباركه، ويضمر في قلبه ما يعسى إلى تحقيقه: أن يكون رب الناس الأعلى، أو كذلك صورت له الأوهام وأبدت له تصاريف الأيام، وهامان صار لديه من القدرات ما لم يكن يحلم به هامان الأول، مخابرات وأقمار صناعية وأفكار مفخخة يصنع بها تنظيمات إرهابية وتخريبية ومافيا وشذوذ وفساد جمع كل شرور المؤتفكات والقرى الهالكة: سدوم وعمورية (قوم لوط الذين هم في الحقيقة لم يكونوا يوما قومه)، ومدين وثمود وعاد وسواها…
وقارون أثرى من دم المساكين وعرق الكادحين ونهب ثروات الشعوب التي تفترسها المجاعة وتنفيها المآسي…لص محترف للنفط والآثار والأعضاء البشرية…متاجر بالبشر والشجر والحجر والأوهام…له ألف وجه وألف قناع وألف ألف قناة في الاعلام وفي شبكة الانترنت…
إبليس في إجازة مفتوحة: لم يترك له أبالسة البشر مجالا لأية وسوسة، تفوقوا عليه وتركوه ترك البعير المُعبّد، وهو سعيد جدا بتلاميذه الذين غلبوا معلّمهم، ولعله يوصي شياطينه من الجن بأخذ دروس في الجلافة والغلظة من بني وهبان، وفي القتل والسحل والتنكيل من بني دعشان، وفي الخسة والنذالة من بني خيانة، وفي صنوف الاستكبار وضروب الغرور والاستهتار وقتل الناس بغير حق من بني صهيون وآل سلول وأذنابهم.
على كل حال هي صورة قاتمة، لولا أولئك الذين لم يرهبوا حين استعمر الخوف الناس، ولو يولّوا الأدبار حين فر الكثيرون، ولم يخدعهم إبليس، ولا أرهبهم فرعون، ولا اخترقتهم مخابرات هامان، ولا أغواهم مال قارون، ولا أحبط عزمهم شر شياطين الإنس والجن، ولم يلهثوا خلف حبال السحرة يحسبها الموهوم مالا وغوان فاتنات وجاها لا يفنى وملكا لا يبلى وعزا لا ذل بعده، وما تلك إلا أهواء وأضغاث أوهام.
تحية لكم أيها الشامخون الصامدون، كيف كان العالم يكون لولا صمودكم، وكيف كانت الأمة تكون لولا دماء شهدائكم وصبر جرحاكم وفداءكم لأوطانكم بأرواحكم وبطولات أبطالكم وصمودكم العظيم.
ولتحية كل من نصر الحق ولو بكلمة.
المجد كل المجد للذين لا يركعون إلا لخالقهم.
سوسة 15-08-2017 19:18:16