عند باب الأكرمين

8 دقائق للقراءة

الحمد لله الذي سبّح له ما في السماوات والأرض، وله الملائكة ساجدون، الذي قال : “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)” ، وشرع الدين للناس كافة فقوم آمنوا وقوم يجحدون. الذي تعالى عن التكييف وما صوّرت الظنون، ليس كمثله شيء وهو الحي لا شريك له، له الحمد وإليه يرجعون. الذي بشر الصالحين فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، واجتبى المرسلين وبعث النبيين مذكرين ومنذرين، الواحد الأحد الفرد الصمد القوي المتين.
والصلاة والسلام على من كان على ربّه دالا وإلى ربّه دليلا، الذي صبر لربّه صبرا جميلا، ونزّل الله عليه القرآن تنزيلا، وقال له: “يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ( 3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَ بِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)”
وعلى آله مرآة الذات، ومجلى الصفات، وسفينة النجاة، من أحبوا ربهم كثيرا، وجاهدوا فيه كثيرا، وابتلوا في سبيله كثيرا، وكانوا للهاشمي ظهيرا، وللمصطفى نصيرا، وقال عنهم ربهم: “إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)”
ورضي الله عن أصحابه الذين لم يذروا الحق غريبا، وصدَقوا بين يدي من اختاره الرحمان حبيبا، فكان الله لهم نصيرا وسميعا مجيبا، وقال: “لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)” .
وبعد
كان الله ولا شيء معه، وهو كما هو لا شريك له وكل شيء له أخضعه، ويبقى الله يوم لا يبقى أحد معه، ويبعث الخلق وهو القادر أن يجمعه، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن من أوجد الوجود ومن أبدعه. سبحانه في كل شيء وعدد كل شيء وفوق كل شيء ما أعظمه وما أكرمه وما أجمله من برأ الجمال ومن أودعه، ومن خلق الكون ومن أوسعه، قد خاب من كان عليه وقد فاز من كان معه.
والله الغني على خلقه قد جعل في الخلق حكمة، وجعل في عنصر الخلق حكمة، فخلق من النور ملائكة له يعبدون، ” يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)” .
وخلق من النار الجن فكان منهم المؤمنون ومنهم الكافرون، وعصى منهم من عصى فأمسى شيطانا يفتن الناس إلى يوم يبعثون.
وخلق الإنسان ” مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (26)” ، “ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (8)”
“وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)”
وخلق من الكائنات ما لا نعلم “وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)” . وخلق الكون والشمس والقمر والأرض والسماوات العلا، وخلق الجنة والنار وما فوقهما وما علا، وخلق ما خلق وهو عليه هيّن، “وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (38)”
وأجرى بحكمته أقدارا، وجعل شموسا وأقمارا، وليلا لباسا ونهارا، وخلق الموت والحياة، وجعل الدنيا مسيرة كدح للإنسان: “يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)” .
والمتأمل لمسار الآدمية منذ أن خلق الله آدم عليه السلام من طين وأمر الملائكة وأحد الجن الذين رفعهم إلى مراتب الملائكية لحكمة عنده بالسجود له فسجدوا إلا إبليس، وعلّمه الأسماء كلها، وخلق له من نفسه زوجا، ثم نسي وأكلا من الشجرة المحرّمة بنزغ الشيطان فخرج من الجنة التي كانت له في مستهل وجوده سكنا لا يجوع فيه ولا يعرى، ولا يظمأ ولا يضحى، وكان الوصف القرآن لهذا دقيقا عظيما في مبناه ومعناه، فقال جل وعلا: “وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124)
ثم يكون تحقيق ذلك، بعد التوبة على آدم، في الشقيق وشقيقه، قاتل ومقتول، فتلك أول تمظهرات العداوة المحتومة المقدّرة (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ )، فكان قابيل أول الأعداء للإنسان من بني الإنسان، كما كان إبليس أول الأعداء من الجن الممسوخين شياطينا، وكان هابيل أول ضحايا القتل، بعد أن كان أبوه وأمه أول ضحايا الوسوسة والخديعة الشيطانية . وهذا المنطلق لشياطين الجن والإنس الذين سيعادون كل من يحمل بذرة خير من تلك الروح الآدمية التي كانت من النفخ الرحماني ومن روح الله سبحانه، وكل ذلك بجعل من الله وحكمة عنده: ” كَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)” .
فالبعثات النبوية والرسالات السماوية إنما هي لتذكير الإنسان بتلك الروح الآدمية الأولى وذلك العلم اللدني الخاص المودع في أبينا آدم، ولابد لها ضمن قانون العداوة الحتمي ذاك من شياطين إنس وشياطين جن يكذبون ويستهزئون ويحاربون، ويكون الذين مع الأنبياء في بلاء مكابدة الحق والإيمان بالحق والبذل في الحق، حتى يبلغ بهم ما كان من أمر أصحاب الأخدود أو أشد: ” وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)”
فتلك الفتنة وذلك البلاء من حكمة الله سبحانه وتعالى أيضا، وفيه براهين إيمان وتزكية وثبات، لأن الغاية من الدنيا ليست الدنيا، بل هي الآخرة: ” وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ (17)” .
ولأن الله جعل ذلك أمرا محتوما على أهل الحق في كل عصر وفي كل مكان، وألزم به السبيل إلى الجنة: ” أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) .
الناس كثيرا ما يسودهم الجهل والكفر وتتلاعب بهم الشياطين، وفي كل أمة وقرية من هذا نصيب، فيبعث الله الأنبياء ويرسل المرسلين ليبيّنوا لهم ما اختلفوا فيه ويدلّوهم سبيل الحق الذي به يرجعون إلى الروح الآدمية الربانية ويلامسون سر تلك النفخة ويعلمون الحق ويعرفون ربّهم، ويبشرونهم برحمته وينذرونهم من عذابه ويخبرونه من خبر الغيب والجنة والنار والمعاد والآخرة. ويؤيدهم بالبراهين والحجج والأدلة، ويؤتيهم الكتب ويجري على أيديهم المعجزات، فيطيعهم من هدى الله ويعصيهم من ختم الله على قلبه: ” كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ (213) .
البعثات النبوية والاجتباء الرباني كان متصلا بسلالة مختارة موصولة بآدم، بين الله منها جانبا في الوصل النوحي والإبراهيمي وما بينهما وما كان معهما كإدريس وإلياس وهودا ولوط وصالح وشعيب والنبيين والمرسلين، ليتفرع بين إسحاق يعقوب فيوسف إلى موسى وهارون وداوود وسليمان وزكريا ومريم والمسيح المرفوع بسر ذلك النسب، ومن إسماعيل إلى هاشم وعبد المطلب إلى النبي محمد وأهل بيته والصالحين من نسلهم والأشراف من بنيهم وذرياتهم إلى المهدي الذي سيصلي خلفه المسيح ويجتمع به فيكون اجتماع الفرعين النورانيين للسر الإبراهيمي النوحي الآدمي الروحي الرباني، وتلك علامة كبرى لنهاية دائرة الدنيا وختامها. فهي ذرية بعضها من بعض، وسلالة قدس الله سرّها وباركها وبارك عليها وحولها، وفضّلها على علم وبيّنة، فقال سبحانه: ” إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)” .
ضمن هذا المسار وهذه التفضيلات، وسر هذه النفخة الروحية الربانية في الذات الآدمية التي ارتفعت بها من مقام الطينية إلى مقام الروحانية، وضمن هذه الذرية المختارة على علم، وضمن تفضيل بني آدم على كثير من الخلق وتكريمهم: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) ” .
وضمن تفضيل الناس بعضهم على بعض لحكمة: ” وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (165) ”
وضمن تفضيل الأنبياء والرسل بعضهم على بعض لحكمة: ” تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ (253)” .
ضمن كل هذا التفضيل، أليس من المهيب أن نقف بين يدي الآدمي الأفضل، وأن ننظر في الذرية الأفضل (أهل بيت الآدمي الأفضل)، ألا يكون مهيبا جليلا أن نكون في حضرة النبي الأفضل، بل في رحاب المخلوق الأفضل، خير خلق الله وسيد الكائنات والموجودات كلها بما فيها ومن فيها؟
أي مقام وأي منزلة وأي نور وأي سر؟ وأي وصل متصل به ونسب منسوب إليه؟ وأي أهل بيت هم أهل بيتهم وأية ذرية هي ذريّته؟
بلى إنها المهابة وإنه الجلال، وأنت تقف في حرم الجمال والكمال، وأنت في باب كتب عليه: هذا مقام محمد بن عبد الله، هذا مقام خاتم النبيين وإمام المرسلين وخير ولد آدم أجمعين، هذا مقام سيد الوجود وإمام كل موجود. هذا مقام من به ربه أسرى، وعرج به إلى أعلى، فتجاوز السماوات العلى، وسدرة المنتهى، وبلغ الأفق الأعلى، فرأى من آيته ربه الكبرى، ونزل عليه وعنه وحي يوحى، وقرآن إلى أبد الآبدين يتلى: ” وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ (9) فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ (18)” .
وكيف يكون الذين هم مرآة ذاته ومجلى صفاته، من قال أنهم مع القرآن ثقلان من تمسك بهما نجى ومن تركهما هلك، وأنهم سفينة النجاة، وأنه لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، وأنت تعبر إليهم سوف تنظر في أهل العباء، وترى الإمام الكرار من كان منه بمنزلة هارون من موسى، وأم أبيها الزهراء، التي قال عنها أبوها: فاطمة بضعة مني…وسوف ترى ريحانتي رسول الله وسيدا شباب الجنة، الذي قال الحبيب عنهما: الحسن مني …من احبني فليحبه، الحسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا. وستجد الأئمة من بنيهم، والصالحين من ذرياتهم، والمهدي الذي قال عنه جده: المهدي منا أهل البيت يملأ الدنيا عدلا بعد أن مُلئت جورا. وقد حفهم من الله سر الصلاة ونور السلام.
هي مهابة لا يشعر بها إلا من ذاق وفهم المعنى، وغاص في سر المبنى، ونظر بعين قلبه وسمع بجوامع لبّه. فسمّى باسم الله وهو يلج الباب، وأحنى هامه وقوّم القلب وأقامه، وعلم أن محمدا سيده ونبيه وإمامه، وسمع من حوله الملائكة والأنبياء والمرسلين وأصحابهم أجمعين والصالحين من الجن والإنس يرددون بصوت واحد: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد.
هذا إذا بابنا….


سوسة – بلاد إفريقية
الجمعة ‏19‏ رمضان‏ 1437 الموافق لـ ‏24‏-06‏-2016‏ 18:50

مقالات ذات صلة

في شهود البيت العتيق
وأنت بجوار الكعبة المشرفة، تشهد المشهد العظيم، ترى بعينك الطائفين، وترى بقلبك الأولين، وتنظر بروحك إلى وجوه النبيين، من آدم الأول، بعد أن تاب...
3 دقائق للقراءة
عن الحق والباطل
كل فضيلة تقع بين رذيلتين.الكرم بين البخل والتبذير.والشجاعة بين الجبن والتهور.وكل حق يقع بين باطلين: باطل يحجبه، وباطل يسعى لتزييفه. هكذا حدثتني الروح، وهكذا...
< 1 دقيقة للقراءة
في مقام الوالدين
عظم الله قدر الأم، وأبان عن عظيم شرفها في كتابه، وأوصى الإنسان بوالديه ووصّاه ببرهما، فقال عز من قائل: ﴿وَوَصَّیۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَ ٰ⁠لِدَیۡهِ حُسۡنࣰاۖ﴾ [العنكبوت...
2 دقائق للقراءة
وظيفة الاستغفار
وظيفة الاستغفارمن الوظائف الخاصة في الطريقة الخضرية العلية.مع صدق الرجاء وإخلاص النية في الدعاء، والتوجه القلبي الكلي إلى الله، والتوسل بمن للوسيلة ارتضاه.لها بفضل...
2 دقائق للقراءة
في حكمة القبض والبسط
في حكمة القبض والبسط والفناء والبقاء ومما يثير الدهشة في الحياة، قدرتها على التلون والتبدّل والانتقال من حال إلى حال، وهي في ذلك تأخذ...
2 دقائق للقراءة
لقاء على بساط المحبة
على بساط المحبة والأنس بالله، كان لقائي بالشيخ خالد بن تونس شيخ الطريقة العلاوية، وقد كان لقاء منفوحا بحب الله ورسوله، محاطا بسر أهل...
3 دقائق للقراءة
عن الطريقة الخضرية
قد يظن البعض ممن لم يطلع على الرسائل ، ولم يفهم المسائل، أن الطريقة الخضرية بدع من القول مما افترى على الأمس اليوم، وبدعة...
2 دقائق للقراءة
صم عاشوراء ولكن
كل عام أكتب عن عاشوراء، ويغضب الكثيرون.حسنا، لن أقول لك لا تصم يوم عاشوراء، لكن إن كنت ستصومه فلا تفعل ذلك ابتهاجا بنجاة موسى...
3 دقائق للقراءة
خطبة بين الروح والقلب
الحمد الله مبدي ما بدا، وهادي من هدى، الذي لم يخلق الخلق سدى.والصلاة والسلام على نبي الهدى، ونور المدى.من عز بربه فساد،  اتباعه رشَد...
< 1 دقيقة للقراءة
عن القرآن الكريم
ليس القرآن فقط مصحفا من ورق، عليه كلمات مطبوعة، تطال نسخه أيدي الآثمين.فيقرؤه قارؤهم والقرآن يلعنه، حتى يقتل خير الناس اغتيالا في المسجد وهو...
2 دقائق للقراءة