3 دقائق للقراءة
كان الحدث رواية وصوتا، ثم أصبح خطّا.
ثم صار بعد زمن خطّا ورسم يد ليس فيه طباق. ثم أصبح خطا ورسم يد طباق، ترى فيه وجه من رسموه كأنه هو.
ثم جاء زمان صار فيه الحدث صورة طباق، بآلة وليس بيد، فهي نسخة طِبقية، وليس رسم فنان لمشهد أو شخص.
ولكن الصورة الطبقية كانت بيضاء وسوداء، والآلة كانت كبيرة يخرج منها ضوء.
ثم أتت آلة أخرى نسخت الحركة والمشهد طباقا له، ولكنها زادت السرعة وأزالت الألوان وبقيت بالأبيض والأسود كأختها التي جمّدت حركة المشهد في لحظة.
ثم تطوّرت الآلة فوثقت الحركة وأضافت إليها موسيقى لتكون مشاهد رجل مضحك.
وصارت آلة تبث الصوت وتنسخه مفردا.
ثم وثقت الآلة الصورة والصوت والحركة، وبقيت فقيرة للون قافزة الصور.
ثم تطورت الآلة فوثّقت المشهد حركة وصوتا وسرعة ولونا. فبدا كل شيء كما هو حقيقة.
كانوا ألوانا أولية في البداية، ثم تطورت سريعا حتى بلغت آلاف الألوان، بدقة الديجيتال وما بعده، وصارت آلة التقاط الصور في أجهزة الهاتف، صغيرة قوية دقيقة.
بل صارت آلة الصورة تلك تصور أعماق البحر وأطباق الجو، وأمست تتلاعب بالصورة والمشهد في فنيات السينما. وتجاوزت الثنائي البعد إلى الثلاثي والخماسي والسباعي. ولعلها تصل إلى ما هو أعلى.
وكانت الآلة لا توثق إلا ما مضى، حتى صارت توثق الحدث حين وقوعه، بل وتبثه في الأرض كلها ليراه الناس مباشرة.
تلك الآلة ليست سوى رسالة: لقد كان لدى حضارة الملائكة التي توثق مشهد الأرض ما هو أرقى وأعظم فوثق منذ البداية بدقة أكبر وأبعاد أكثر.
فمن ذلك ما كان شاملا، فيه ما خط القلم ووثق، وليس القلم فقط ما كتب الخط بل آلة الصورة قلم أيضا، وليست القراءة فقط قراءة سجل مخطوط، بل مشاهدة الصور والمشاهد قراءة أيضا.
ومنه ما كان مخصصا بين مرقوم في عليين فيه الخير ومرقوم في سجين فيه الشر.
فهذا للأبرار وذاك للفجار، وكل ذنب مغفور تمحى صورته من الكتاب فلا يبقى إلا مشاهد الخير.
وكلٌّ سيرى ذلك جمعا في كتاب يحوي العوالم، وخاصا في كتابه الذي يكون بيمينه فيسره ما فيه وينادي شاهدوا معي واقرؤوا كتابي.
أو وراء ظهره جهة يده الشمال حتى لا يملك له حجبا ولصوره تغطية فيفضحه ويهتك ستره.
فأنت تقرأ في كتاب خبرا، هو في كتابهم كما لديك اليوم في كتاب الشاشة التي تبث كل حدث بشكل مباشر.
ولكن ما خفي من الرسالة: أنك متى امتلكت تلك الآلة، ومتى اتضحت الصورة التي كانت منذ حين مجرد رواية ينقلها ناقل عن شاهد، فتنقص وتزيد حسب النسيان والنية والقدرة، ثم إلى تخيل خَطّي سجين اللغة والتصور، أو رسم فنان مرتهن لموهبته وذوقه وخياله، أو صورة جامدة بيضاء وسوداء فقيرة للألوان، أو حركة سريعة بلونين تثير السخرية، ثم صارت طباقا ملونا مباشرا، فقد اقترب الأجل، وحل الموعد وجاء أوان الوعد، وفتحت القيامة بابها.
وأن رؤيا الملك ونبوءة موسى الذي سينهي فرعون، ستكون رؤيا يراها كل الناس ونبوءة يشهدها جميع البشر وهم يضحكون فرحين غافلين، وتصلهم بكل الوسائط، بقدرات القلم الآلة، في سينما ومشاهد ورسائل، وفي شاشة وهاتف وعالم افتراضي، تتكلم عن قادمين من الفضاء وعن أبطال خارقين وعن غيرها من رسائل لو تتبعتها بهذا الفهم لأدركت كنهها وفككت شفرتها قبل أن تنفك للعالم كله بغتة.
فإن كانت لأهل الأرض أجهزة ونظم رقمية وما فوقها مكنت لهم ذلك في عوالم الفن السابع، فإن للملائكة بأمر الله ما يمكن لهم تنفيذ ما هو أعظم من ذلك بقدرات عوالم ما فوق الأفق السابع.
تحقيقا لوعد الله، ومحقا لأعداء الله، وهدية لأهل الحق المستضعفين ولكل مؤمن غريب.
وما هو إلا موعد قريب.
15/09/2018