ادخل عند جدك

2 دقائق للقراءة

في مدينة فاس أخذتني خطى المحبة إلى بانيها ومشيّدها، مولاي إدريس الأزهر ابن مولاي ادريس الأصغر، ومعي الأحبة (ربيع، أنور، أنس، والمبدع غسان)، وكانت خطواتي هادئة وفي نفسي وقلبي وعي حسي عميق بمهابة الموقف إذ أن مولاي إدريس لم يكن فقط الملك المظفر والحاكم العادل والعالم النحرير، بل هو ابن إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن، وجده عبد الله هو ابن فاطمة النبوية بنت الإمام الحسين، ولدا الكرار والزهراء عليهم السلام بنت سيد الاولين والآخرين صلى الله عليه وعلى آله.
وأما أمه (مولانا إدريس الأصغر أو الأزهر كما يسميه المغاربة إجلالا ومحبة) فهي المراة الحكيمة القوية الأميرة كنزة الأوْرَبـيّـة البرنوسية التازية المغربية ابنة إسحاق بن محمد ابن عبد الحميد الأوربي، ملك أورَبة (أعظم قبائل المغرب في ذلك الوقت وأكثرها عددا وأشدها قوة وبأسا وأحدها شوكة)، والتي اغتالوا زوجها (مولاي ادريس الأكبر) وهي حبلى في الشهر السابع، ثم أنجبت ابنها فسمته باسم أبيه، وكانت ذات نظر في الحكم ونصح لابنها ثم لابنه محمد بن ادريس والأمراء من إخوته.
بخطى مثقلة جدا بالشوق، خفيفة للغاية بالسعادة، دلفت إلى مقام مولاي إدريس الأصغر، هادئا صامتا، ولكن تحرك كل شيء من حولي بسرعة: أقبل كل المشرفين على المقام وكثير من الزائرين، ثم جاء أحد المشرفين وقال: أهلا بالشريف، ومضى مسرعا إلى باب صغير بجانب الضريح ففتحه وقال: ادخل عند جدك…
من أعلمه أني حفيد من أحفاد الإمام الشريف مولاي إدريس؟
لعل لهؤلاء القوم علما بالأنساب بمجرد النظر للملامح، أول لعلها روحانية مولاي إدريس حركته وأنطقته، ولعل الأمران معا قد حققا لي تلك النفحة الكريمة التي ولجت إلى أعماق روحي ولمست شغاف قلبي.
وفي داخل ضريحه كانت لحظات تختزل زمنا طويلا، زمنا من الشوق، والمحبة، والتقدير، زمنا يصل رحلة الأجداد من فاس إلى مدن أخرى بالمغرب، ثم إلى تونس، وصولا إلى القرية التي ولدت فيها، لأرجع بعد أكثر من ألف عام، أزور دمي وأصلي ومنبع روحي، ليكون الوصال والاتصال، مع جدي ومولاي إدريس ترقيا إلى الأئمة من آبائه وصولا إلى حضرة المصطفى وإلى الكرار والزهراء والسبطين، وتصاعدا إلى أحفاده جحافل تتلوها جحافل من الصالحين.
إن شرف الانتساب إلى هذه الشجرة المباركة شرف عظيم، ولكنه أيضا أمنة عظيمة ومسؤولية كبرى، تفرض على صاحبها أن يخدم دين جده، وأن يكون على نهج أجداده علما وعملا، حُكما وحكمة، شجاعة وثباتا وبصيرة، حتى إذا ما جاء الأوان وورد على مقام الحضرة العليا، اعترضته الملائكة وفتحت له بابا يؤدي إلى الحبيب المصطفى، وقال قائلهم: ادخل عند جدك.

الرباط
20/03/2018

مقالات ذات صلة

في شهود البيت العتيق
وأنت بجوار الكعبة المشرفة، تشهد المشهد العظيم، ترى بعينك الطائفين، وترى بقلبك الأولين، وتنظر بروحك إلى وجوه النبيين، من آدم الأول، بعد أن تاب...
3 دقائق للقراءة
عن الحق والباطل
كل فضيلة تقع بين رذيلتين.الكرم بين البخل والتبذير.والشجاعة بين الجبن والتهور.وكل حق يقع بين باطلين: باطل يحجبه، وباطل يسعى لتزييفه. هكذا حدثتني الروح، وهكذا...
< 1 دقيقة للقراءة
في مقام الوالدين
عظم الله قدر الأم، وأبان عن عظيم شرفها في كتابه، وأوصى الإنسان بوالديه ووصّاه ببرهما، فقال عز من قائل: ﴿وَوَصَّیۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَ ٰ⁠لِدَیۡهِ حُسۡنࣰاۖ﴾ [العنكبوت...
2 دقائق للقراءة
وظيفة الاستغفار
وظيفة الاستغفارمن الوظائف الخاصة في الطريقة الخضرية العلية.مع صدق الرجاء وإخلاص النية في الدعاء، والتوجه القلبي الكلي إلى الله، والتوسل بمن للوسيلة ارتضاه.لها بفضل...
2 دقائق للقراءة
في حكمة القبض والبسط
في حكمة القبض والبسط والفناء والبقاء ومما يثير الدهشة في الحياة، قدرتها على التلون والتبدّل والانتقال من حال إلى حال، وهي في ذلك تأخذ...
2 دقائق للقراءة
لقاء على بساط المحبة
على بساط المحبة والأنس بالله، كان لقائي بالشيخ خالد بن تونس شيخ الطريقة العلاوية، وقد كان لقاء منفوحا بحب الله ورسوله، محاطا بسر أهل...
3 دقائق للقراءة
عن الطريقة الخضرية
قد يظن البعض ممن لم يطلع على الرسائل ، ولم يفهم المسائل، أن الطريقة الخضرية بدع من القول مما افترى على الأمس اليوم، وبدعة...
2 دقائق للقراءة
صم عاشوراء ولكن
كل عام أكتب عن عاشوراء، ويغضب الكثيرون.حسنا، لن أقول لك لا تصم يوم عاشوراء، لكن إن كنت ستصومه فلا تفعل ذلك ابتهاجا بنجاة موسى...
3 دقائق للقراءة
خطبة بين الروح والقلب
الحمد الله مبدي ما بدا، وهادي من هدى، الذي لم يخلق الخلق سدى.والصلاة والسلام على نبي الهدى، ونور المدى.من عز بربه فساد،  اتباعه رشَد...
< 1 دقيقة للقراءة
عن القرآن الكريم
ليس القرآن فقط مصحفا من ورق، عليه كلمات مطبوعة، تطال نسخه أيدي الآثمين.فيقرؤه قارؤهم والقرآن يلعنه، حتى يقتل خير الناس اغتيالا في المسجد وهو...
2 دقائق للقراءة